للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قرنتها بحجها بطلت، فبكت، فأذن لها الرسول عليه السلام أن تعتمر تطييبًا لنفسها.

وهذه العمرة التي اعتمرتها عائشة خاصة بها، بدليل أنه لم يعرف عن أحد من الصحابة رجالا ونساء أنه اعتمر بعد حِجه من التنعيم، كما صنعت عائشة - رضي الله عنها -، ولو علم الصحابة أن صنيع عائشة مشروع لهم بعد حجهم لاستفاض النقل عنهم في ذلك. قال الإِمام الشوكاني - رحمه الله -: "ولم يعتمر -أي النبي- (صلى الله عليه وسلم)، خارجا من مكة إلى الحل، ثم يدخل مكة بعمرة، كما يفعل الناس اليوم، ولا ثبت عن أحد من الصحابة فعل ذلك".

وكما لم يثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم تكرار العمرة بعد الحج، فإنه لم يثبت عنهم تكرارها في سائر أيام السنة، وكانوا ينتابون مكة للعمرة أفرادًا وجماعات، وهم يعلمون أن العمرة هى الزيارة للطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة، ويعلمون أيضًا أن الطواف بالبيت أفضل من السعى يقينا، فبدل أن يشغلوا أنفسهم بالخروج إلى التنعيم، والاشتغال بأعمال عمرة جديدة يتبعونها عمرتهم التى سبقتها فأولى أن يطوفوا بالبيت، ومعلوم أن الوقت الذي يصرفه من يخرج إلى التنعيم ليهل بعمرة جديدة يستطيع أن يطوف بالبيت مئات الأشواط في هذا الوقت الذي يصرفه المعتمر في عمرة جديدة. يقول طاووس - رحمه الله - "الذين يعتمرون من التنعيم ما أدرى يؤجرون عليها أو يعذبون!! قيل له: يعذبون؟ قال: لأنّه يدع الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال، ويجئ، وإلى أن يجئ من أربعة أميال يكون قد طاف مئتى طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء".

فالقول بعدم مشروعية تكرار العمرة هو ما دلت عليه السنة النبوية العملية ودل عليه فعل الصحابة رضوان الله عليهم. وقد أمرنا نبينا عليه السلام بلزوم سنته وسنة خلفائه من بعده، فقال: "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ".

<<  <   >  >>