للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل حلق اللحية تشبه بالكفار]

والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

«خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى» (١).

قال شيخ الإسلام (٢): (فأمر صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين مطلقا، ثم قال: "احفوا الشوارب، وأوفوا اللحى") وهذه الجملة الثانية بدل من الأصلي، فإن الإبدال يقع في الجمل كما يقع في المفردات). قال:

(فلفظ مخالفة المشركين دليل على أن جنس المخالفة أمر مقصود للشارع، وإن عينت في هذا الفعل فإن تقديم المخالفة علة تقديم العام على الخاص كما يقال: أكرم ضيفك: أطعمه وحادثه، فأمرك بالإكرام ولا دليل على أن إكرام الضيف مقصود ثم عينت الفعل الذي يكون إكراما في ذلك الوقت، والتقرير في هذا الحديث شبيه بالتقرير من قوله: "لا يصبغون فخالفوهم") اهـ كلامه رحمه الله، وفيه رد على من ادعى عدم الربط بين الأفعال الثلاثة، على أن


(١) أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة والبيهقي من طريق نافع عن ابن عمر، إلا أن أبا عوانة قال: "المجوس" بدل "المشركون" ويشهد له ما أخرجه البيهقي من طريق ميمون بن مهران عن عبد الله بن عمر قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال: "إنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم". ويشهد له أيضا حديث أبي هريرة الآتي بعده وفيه "خالفوا المجوس" ولهذا قال الحافظ في "الفتح": (وهو المراد في حديث ابن عمر فإنهما كانوا يقصون لحاهم، ومنهم من كان يحلقها) وظاهر قوله "يقصون" يدل على أنهم كانوا لا يحلقونها كلهم بدليل قوله في آخر النص "ومنهم من كان يحلقها" فالعطف هنا يقتضي المغايرة، فيفهم من ذلك أن تقصير اللحية بحيث تكون قريبة من الحلق هو من هديهم الذي لا يتحقق مخالفتهم فيه إلا بالتوفير والإعفاء كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ص٥٨ - ٥٩.

<<  <   >  >>