للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قالَ من شدَّةِ الفرحِ: اللَّهُمَّ أنتَ عبِدي وأنا ربُّك أخطأ من شدَّةِ الفرحِ»، رواه مسلم. وإنما يفرحُ سبحانَه بتوبةِ عبدِه لمحبَّتِه للتوبةِ والعفْوِ ورجوعِ عبدِه إليه بعد هَربِه منه، وعن أنس وابن عباسٍ رضي الله عنهم أنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لو أن لابن آدم وادياً من ذهبٍ أحبَّ أن يكونَ له وادِيَانِ ولن يملأ فَاه إِلاَّ الترابُ ويتوبُ الله على مَن تابَ»، متفق عليه.

فالتوبةُ هي الرجوعُ من معصية الله إلى طاعتِه لأنَّه سبحانه هو المعبودُ حقاً، وحقيقةُ العُبوديةِ هي التذللُ والخضوعُ للمعبودِ محبةً وتعظيماً، فإذا حصلَ مِنَ العبدِ شرودٌ عن طاعةِ ربِّه فتوبتُه أن يرْجعَ إليه ويقفَ ببابِه موقفَ الفقيرِ الذليلِ الخائف المنكسرِ بينَ يديِه.

والتوبةُ واجبةٌ على الفَوْرِ لا يجوزُ تأخيرُها ولا التسويفُ بها، لأنَّ الله أمَرَ بها ورسولُه، وأوَامِرُ الله ورسولِهِ كلُّها على الفورِ والمبادرةِ لأنَّ العبدَ لا يدري ماذا يحصلُ له بالتأخيرِ، فلعلَّهُ أن يفجأه الموتُ فلا يستطيعُ التوبةَ، ولأنَّ الإِصرارَ على المعصيةِ يوجبُ قَسْوةَ القلب وبُعْدَه عن الله عزَّ وجلَّ وضعفَ إيمانه، فإنَّ الإِيمانَ يزيْد بالطاعاتِ وينقصُ بالعصيانِ، ولأنَّ الإِصرارَ على المعصيةِ يوجبُ إلْفَهَا والتَّشبُّثَ بها، فإنَّ النفسَ إذا اعتادتْ على شيء صعُب عليها فِراقُه وحيئنذٍ يعسرُ عليه التخلصُ من معصيتِه ويفتحُ عليه الشيطانُ بابَ معاصٍ أخرى أكبرَ وأعظمَ مما كانَ عليه. ولِذَلِكَ قال أهلُ العلم وأربابُ السلوكِ: إن المعاصيَ بَرِيدُ الكفر ينتقلُ الإِنسانُ فيها مرحلةً مرحلةً

<<  <   >  >>