للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأنزل الله {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} إِلى آخر السورة (١).

وفي رواية للإِمام مسلم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صعد الصفا فنادى: "يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد المطلب، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة بنت رسول الله، سليني بما شئت، لا أغني عنك من الله شيئًا" (٢).

وقد بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النذارة بما كانوا يعلمونه في شخصه الكريم، ولا ينكرونه، بدأ بقضيّة لا يختلفون فيها، وهي صدقه - صلى الله عليه وسلم -، فأجابوه: (ما جرّبنا عليك كذبًا)، وهم يعلمون استحالة أو استبعاد الخبر، فمكة آمنة، وكل العرب تدين لحرمة مكة وقدسيتها، فأنّى أن تغير عليها خيلًا، ومع ذلك كان لديهم استعداد لقبول هذا الخبر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنّهم لم يجربوا عليه كذبًا. فأعلن إِنذاره لهم بقضيّة كبرى وحقيقة عظمى، أنذرهم يوم البعث والجزاء، أنذرهم عذاب الله الجبّار لمن كذّب به واستكبر.

وانطلق النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعدها يدعو إِلى الله تعالى ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يردّه عن ذلك رادّ، ولا يصدّه صادّ.

وكفارُ قريش في أول أمرهم غير منكرين لما يقول، بحيث كان إِذا مرّ بهم في مجالسهم يشيرون إِليه: إِن غلام بني عبد المطلب ليُكلَّم من السماء، إِلى أن عاب آلهتهم، وذكر آباءهم الذين ماتوا على الكفر، فانتصبوا لعداوته وعداوة من آمن معه، يعذبون من لا منعة عنده أشد العذاب، ويؤذون من لا يقدرون على عذابه.


(١) أخرجه البخاري في التفسير، باب {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ح (٤٧٧٠)، ومسلم في الإِيمان ح (٢٠٨). والآيات من سورة المسد ١ - ٥.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الإِيمان ح (٢٠٦).

<<  <   >  >>