للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يقين أن طريق الدعوة إلى الله ملئ بالتضحيات بالأموال والأنفس، لكن عاقبته نجاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (١). أي إِما النصر والغنيمة، وإما الموت والشهادة (٢).

لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على استثمار كل مناسبة في الدعوة إِلى الله، ومهما كانت التضحيات عظيمة وجسيمة، وقد حاول المشركون المخادعة والغدر بالمسلمين فطلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِرسال بعوث من قبله للدعوة بين الأعراب عسى أن يستجيبوا للحق، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثين للدعوة إِلى الله ونشر الإِسلام.

[الأول: بعث الرجيع.]

في أواخر السنة الثالثة من الهجرة، وقيل في أوائل السنة الرابعة، فقد سعت قبيلة هذيل للانتقام لقتل زعيمها خالد بن سفيان الهذلي، فاتفقت مع قبيلتين من مضر هما: عضل والقارة، على إِرسال وفد من هاتين القبيلتين إِلى المدينة ليحتالوا في إِحضار بعض الصحابة ليقتلوهم انتقامًا لزعيمهم، ويبيعوا البعض الآخر لقريش (فإنهم ليسوا لشيء أحب إِليهم من أن يؤتوا بأحد من أصحاب محمَّد، يمثلون به ويقتلونه بمن قُتِل منهم ببدر) (٣). فجاء رهط من عضل والقارة إِلى المدينة فقالوا: (يا رسول الله، إِن فينا إِسلامًا، فأبعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإِسلام) (٤).

فبعث معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفرًا من أصحابة بقيادة عاصم بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، فلما اقترب الصحابة من عسفان ثار عليهم بطن من هذيل يقال لهم لحيان،


(١) سورة التوبة، آية ٥٢.
(٢) محمد أبو شهبة، السيرة النبوية ٢/ ٢٤٢.
(٣) الواقدي، المغازي ١/ ٣٥٠.
(٤) ابن هشام، السيرة ٢/ ١٢٠.

<<  <   >  >>