للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأقبل على الجيش وهم قريبا من تبوك فرآه الناس وقالوا: هذا راكب مقبل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كن أبا خيثمة. ثم دعا له بخير (١). وخرج أبو ذر على بعير فتأخر به، فقال الناس: أبطأ فلان، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إِن يكن به خير فسيلحقه الله بكم، وإِن كان غير ذلك فقد أراحكم الله تعالى منه، فلما آذاه بعيره حمل متاعه على ظهره ولحق بهم. فقال رجل: يا رسول الله هذا رجل يمشي على الطريق وحده، فقال - صلى الله عليه وسلم -: كن أبا ذر. ثم قال: رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده (٢). وكان ذلك بالفعل حيث تحقق ما قاله - صلى الله عليه وسلم -، فمات وحده - رضي الله عنه - بالربذة شرقي المدينة، واستخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة محمَّد بن مسلمة الأنصاري، وخَلّف عليَّ بن أبي طالب في أهله خاصة، فقال المنافقون: استثقله فخلّفه، فلحق به بالجرف (٣)، وأخبره بقولهم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: كذبوا، لكني خلفتك لما تركتُ ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إِلا أنه لا نبي بعدي. والحديث متفق عليه (٤). وقد بني عليه بعض أهل الفرق الضالة بناءً كبيرًا واهيًا في موضوع الخلافة ولا حجة لهم في ذلك.

وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجيش حتى مر بالحِجْر وهي ديار ثمود فأسرع فيها ولم ينزل، فاستسقى أناس من آبار ثمود وعجنوا وطبخوا، فجمعهم وأمرهم قائلا: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إِلا أن تكونوا باكين، لا يصيبكم ما أصابهم، ولا تشربوا من مائها ولا تتوضئوا منه للصلاة، وأعلِفوا العجين الإِبل، وإِنه ستهب عليكم ريح فلا يخرجن أحد منكم الليلة إِلا ومعه صاحب له. ثم ارتحل حتى نزل على بئر الناقة (٥). فامتثل الناس الأمر إِلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته، والآخر في طلب


(١) ابن هشام، المصدر السابق ١٤/ ١٦٠.
(٢) المصدر نفسه ٤/ ١٦٤ وانظر: البيهقي، دلائل النبوة ٥/ ٢٢١ وقال ابن كثير: إِسناده حسن.
(٣) الجرف: موضع شمال المدينة يتخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدة ومعسكرًا للجيش.
(٤) البخاري كتاب فضائل الصحابة ح ٣٧٠٦، ومسلم ح ٢٤٠٤.
(٥) البخاري، كتاب المغازي ح ٤٤١٩، وكتاب الأنبياء ح (٣٣٧٨ و ٣٣٨١) ومسلم في الزهد ح (٢٩٨٠).

<<  <   >  >>