للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طوى (١) حتى أصبح، فاغتسل ودخل مكة من ثنية كداء (الحجون) ثم دخل الحرم من باب بني شيبة (٢)، ثم طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة.

وفي اليوم الثامن من ذي الحجة توجه إِلى مني فصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، ثم سار إِلى عرفه وخطب خطبة عظيمة بعرفه جاء فيها: إِن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإِن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب -كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل- وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد الطلب فإِنه موضوع كله، واتقوا الله في النساء، فإِنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإِن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مُبرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تَضِلّوا بعده إِن اعتصمتم به: كتابُ الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت. فقال: اللهم اشهد ثلاثًا (٣).

ثم صلى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، ووقفى بعرفة حتى غربت الشمس، ونزل عليه في موقفه ذلك قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٤).


(١) صحيح البخاري، كتاب الحج ح رقم ١٥٧٤ ومسلم ح ١٢٥٩.
(٢) تهذيب سيرة ابن كثير ص ٦١٣.
(٣) صحيح مسلم من حديث جابر ح رقم ١٢١٨.
(٤) سورة المائدة، آية ٣.

<<  <   >  >>