للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنفر

ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يا للرجال وبين الحِجر والحجر

إِن الحرام لمن تمت كرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغُدِر

فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال: ما لهذا مترك!! حتى اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان التيمي، وتعاقدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها أو غيرهم إِلا نصروه وقاموا معه حتى ينال حقه، وقد شهد هذا الحلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال بعد أن أكرمه الله بالرسالة: لقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت بمثله في الإِسلام لأجبت (١). وهذا الحلف ينافي الحمية الجاهلية ويعد من مكارم الأخلاق، ومن مفاخر العرب وقيامهم بحقوق الإِنسان.

[٣ - بناء الكعبة المشرفة]

أرادت قريش بناء الكعبة لما وقعت بعض جدرانها من أثر السيل، وأخذ بعض السراق كنزها ولم تكن مسقوفة، فأجمعوا على ذلك وأن لا يدخل في بنائها إِلا الطيب من أموالهم، ولا يدخل فيها مال من ربا أو مهر بغي. وأول من بدأ نقض الجدران الوليد بن المغيرة المخزومي وتبعه الناس وكانوا يهابون ذلك، ثم أخذوا في بنائها ورفعوها ثمانية عشر ذراعًا، ولكن قصرت بهم النفقة الحلال فانقصوا من مساحتها التي على قواعد إِبراهيم - عليه السلام - وأخرجوا من الجهة الشمالية ستة أذرع وشيئا (٢). وحجروا عليه ووسعوا في الحِجر، وجعلوا لها بابًا واحدًا، ورفعوه حتى لا يدخلها إِلا من أرادوا.

وقد شارك معهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ينقل الحجارة، ولما اختلفوا في وضع الحجر الأسود


(١) إِبراهيم العلي، صحيح السيرة ص ٤٥. وقال: أخرجه أحمد في المسند ١/ ١٩٠، قال الساعاتي في الفتح الرباني ٢١/ ٩: إِسناده صحيح.
(٢) صحيح مسلم، كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها ح ١٣٣٣/ ٤٠١ و ١٣٣٣/ ٤٠٣.

<<  <   >  >>