للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ:، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (١)، فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤادُه، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الرَّوع (٢)، ومما يلفت النظر في الحديث قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أنا بقارئ، جوابًا على قول جبريل: اقرأ، وهو تعبير واضح عن عدم معرفته - صلى الله عليه وسلم - القراءة لأنه لم يسبق له تعلم ذلك فهو أمي كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} وهذا من دلائل نبوته (٣).

[شدة الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتثبيت خديجة له]

لقد كان لقاء الملك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - شديدًا عليه رغم الممهدات السابقة من سماع الصوت، وتسليم الحجر، والرؤيا الصادقة الواضحة، إِنه أمر عظيم وجليل أن يتلقى القلب البشري كلام الله الخالق بواسطة المَلَكُ العظيم، رجف له فؤاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وارتاع حتى طلب من أهله أن يُزَمِّلُوه ويُدَثِّروه حتى يذهب عنه الرَّوع، وكانت طريقة جبريل معه في أول لقاء فيها شدة وجهد ليبين له عظمة الأمر وضخامة المسؤولية والشدة التي سيلاقيها في نشر الدعوة، فهي من الإِعداد له - صلى الله عليه وسلم - والتهيئة النفسية. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال:


(١) سورة العلق، آية ١ - ٥.
(٢) صحيح البخاري كتاب بدء الوحي، ح رقم (٣).
(٣) صالح الشامي، من معين السيرة، ص (٣٠). والآية من سورة الأعراف: (١٥٧).

<<  <   >  >>