للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذه العبارة أثر من آثار هذه الحصيلة الجامعة. فالصحيحان للإمامين البخاري ومسلم تلقتهما الأمةُ بالقبول والإكبار. واعتبرتهما القِمَّة السامقة التي تتطلع إليها العيون، وتشرئبُّ إليها الأعناق، فرجالهما أعلى رجال الأمة صحة ونظافة وقوة، وكذلك القول في متونهما. لكن الإِمام البيهقي ترجم هذه النظرة الجليلة المتفق عليها عند مَنْ يعتد به من طوائف هذه الأمة المباركة فجعلهما محكًّا ومعيارًا في الترجيح بين الأحاديث المختلفة.

وأقول: "في الأحاديث المختلفة" حتى لا ينصرفَ الذهنُ إلى أنَّ البيهقيَّ قد استخدم هذا المنهج في عموم ترجيحاته. فهذا غير صحيح (١).

وذلك لأنَّ البيهقي وغيره من الحفاظ يعلمون أنَّ الشيخين لم يستوعبا الصحيح ولا التزماه في كتابيهما (٢). فليس كل ثقة لم يرو عنه الشيخان ليس بثقة، ولا كل حديث صحيح لم يخرجاهُ ليس بصحيح. فهذا ما لم يقل به أحد.

وتصِحيح البيهقي لمئات الأحاديث في كتابه مما لم يخرجه الشيخان شاهد على هذا.

إلَّا أنه إنما ابتكر هذا المعيار الدقيق في مجال الترجيح، واختار الأقوى من المرويات حينما احتاج إليه عند اختلاف الحديثين، وذلك لأنه قد يختلف الحديثان في حكمهما. ولا نجد إمكانًا للجمع بينهما، ولا معرفة الناسخ والمنسوخ منهما، فلا بدّ لنا من ترجيح أحدهما على الآخر، وذلك لأنّ الحجة في الحديثين -إذا اختلفا- في أحدهما، ولا يمكن أنْ يكون كلاهما صحيحًا (٣). وعلى هذا الأساس يكون قول الإِمام البيهقي في داود بن عبد الله


(١) انظر: ابن التركماني- الجوهر النقي: ١/ ٣٠٤.
(٢) د. مصطفى الخن- المنهل الروي من تقريب النووي: ٣٣، د. عجاج الخطيب- المختصر الوجيز: ١٣٥ - ١٣٦.
(٣) البيهقي- السنن الكبرى: ١٠/ ٢١٠، ودلائل النبوة: ١/ ٤١ - ٤٢.

<<  <   >  >>