للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السمط الكندي (ت ٤٠ هـ) - وكان يتولى مسلحة (١) دون المدائن- فقال: "أيها الناس، إنكم في أرضٍ الشرابُ فيها فاشٍ، والنساء فيها كثير، فمن أصاب منكم حداً فليأتنا فلنُقم عليه الحد، فإنه طهوره، فبلغ ذلك عمر فكتب إليه: لا أحِلُّ لك أن تأمر الناس أن يهتكوا ستر الذي سترهم" (٢). ولكن إذا رفع الناس الأمر إلى القضاء فإن الدولة كانت تقيم الحدود دون هوادة.

ومما يروى في الستر على حالات الجنوح أن امرأة من همدان في اليمن ارتكبت الفاحشة فقدم عمها إلى المدينة، وذكر ذلك لعمر بن الخطاب، فقال له عمر: "لو أفشيت عليها لعاقبتك، إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوجها إياه" (٣).

وقال عمر لرجل آخر في حالة مماثلة: "أنكحها نكاح العفيفة المسلمة" (٤)

[إخضاع الخلفاء أنفسهم لأحكام القضاء وإجراءاته]

كان الخلفاء الراشدين يستوون مع الرعية في إجراءات التقاضي، بل إنهم عززوا مكانة القضاة وطالبوهم بأقصى درجات العدل في المساواة بين الناس حاكمهم ومحكومهم. وقد تخاصم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الصحابي الجليل أبي بن كعب في ملكية بستان، فحكما زيد بن ثابت، فأتياه في منزله، فلما دخلا عليه قال له عمر: جئناك لتقضي بيننا، وفي بيته يؤتى الحكم.


(١) مقاتلون يراقبون العدو في الثغر الذي يسكنونه لئلا يباغتهم، ويتكفلون بصده عمن وراءهم.
(٢) عبد الرزاق: المصنف ٥: ١٩٧ - ١٩٨، والمتقي الهندي ٥: ٥٦٩ - ٥٧٠ واللفظ له. وناصر بن عقيل الطريفي: القضاء في خلافة عمر بن الخطاب ٢: ٨٦٢. وانظر بعض أحكام القضاة التي تدعم هذا التوجه (ابن أبي شيبة: المصنف ١٠: ١٥، وعبد الرزاق: المصنف ٧: ٣٧٠ - ٣٧١).
(٣) الشافعي: الأم ٥: ١٣٢، والطبري: تفسير ٦: ٦٧.
(٤) ابن قدامة المقدسي: المغني ٧: ٣٦٨، ٤٣٣.

<<  <   >  >>