للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السلام بين سكان الإمبراطورية، فقد تبنت الدولة مذهب الملكانية الذي يرى أن للمسيح طبيعتين: إلهية وبشرية، في حين انتشر مذهب اليعاقبة والمنفوستية في بلاد الشام ومصر، وهو يرى أن للمسيح طبيعة واحدة إلهية، وقد أدى هذا الاختلاف إلى شقاق عنيف بين الدولة ورعاياها، وحاول هرقل توحيد مذهب الإمبراطورية، فعقد مجمعاً دينياً انتهى إلى إقرار عدم الخوض في طبيعة المسيح والاكتفاء بالقول بأن لله إرادة واحدة (١). لكن المصريين قاوموه فاضطهدهم بالتعذيب والتحريق وفشلت محاولة التوحيد الديني، وضعف ولاء اليعاقبة والمنوفستية في الشام ومصر للإمبراطورية البيزنطية.

وهذا الخلاف المذهبي يوضح مدى الانحدار الفكري والانحراف العقدي الذي أصاب شعوب الإمبراطورية حتى جعلوا عيسى عليه السلام وهو عبد الله ورسوله إلهاً، سبحان الله عما يقولون.

وكانت طبقات المجتمع البيزنطي جميعاً تؤمن بالتنجيم، والتنبؤ بالغيب، والعرافة، والاتصال بالشياطين، والتمائم (٢).

[الحالة الاجتماعية والأخلاقية]

انتقلت تقاليد المجتمع اليوناني والروماني إلى الدولة البيزنطية، فلا غرابة إذا ما شاع الفساد الأخلاقي والانحلال الاجتماعي (٣) داخل البلاط وفي أوساط الشعب. وكان الامبراطور وقادة الجيش وكبار رجال الكنيسة يعيشون في أعلى السلم الاجتماعي، في حين يقبع آلاف العبيد في المزارع الضخمة حيث يعانون من سوء التغذية وتدني مستوى المعيشة. ويقرب من مستواهم المعيشي الأحرار الذين يشتغلون


(١) أرنولد توينبي: تاريخ البشرية ٢: ٥٩ - ٦١.
(٢) ديورانت: قصة الحضارة ١٤: ١٧٠.
(٣) ديورانت: قصة الحضارة ١٤: ١٧٠.

<<  <   >  >>