للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوياً يعادل في كثرة أتباعه وقوة دوافعه وعزمه على تحقيق أهدافه التيار المؤيد لخلافة علي، وهذا ما تكشف عنه الملاحم العظيمة في الجمل وصفين.

وكان علي بين تيارين قويين، فالمشاركون والمحرضون على قتل عثمان منهم حكيم بن جبلة العبدي زعيم الثوار البصريين، ومنهم عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر من زعماء الثوار المصريين، ومنهم مالك الأشتر النخعي من زعماء الثوار الكوفيين، ومنهم محمد بن أبي حذيفة الذي غلب على مصر، ومحمد بن أبي بكر، وكلهم لهم اختلاط بجيشه وتأثير على قبائلهم، وبعضهم ترك المدينة إلى الأمصار عقب بيعة علي، فلم يكن قادراً على إنفاذ القصاص مع اختلاف الناس عليه (١).

وكان التيار الآخر ممثلاً بطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة أم المؤمنين، وكانوا يضغطون بقوة لإنفاذ القصاص بقتلة عثمان، ويرون أن علياً قد تخلى عن القصاص (٢). ولم يعذروه في سياسته التي تميل إلى إماتة الفتنة وتخطيها بعدم إيقاع القصاص حتى يستتب له الأمر ويدخل في بيعته الناس جميعاً، كما أنه صرح بأنه لا يعلم القتلة بأعيانهم "والله لوددتُ أن بني أمية رضوا لنفلناهم خمسين رجلاً من بني هاشم يحلفون: ما قتلنا عثمان، ولا نعلم له قاتلاً" (٣). ولما مضت أربعة أشهر على بيعة علي دون أن ينفذ القصاص خرج طلحة والزبير إلى مكة (٤) ومنها


(١) ابن تيمية: منهاج السنة ٤: ٤٠٧.
(٢) ابن أبي شيبة: المصنف ١١: ١١٨ بسند صحيح (ابن حجر: فتح الباري ١٣: ٣٤، ٥٧).
(٣) سعيد بن منصور: السنن ٢: ٣٣٥ - ٣٣٦ رقم ٢٩٤٢ بإسناد صحيح.
(٤) الطبري: تأريخ ٤: ٤٣٩ بسند صحيح إلى الزهري ثم هو مرسل لأن الزهري (ت ١١٤ هـ) لم يشهد الأحداث.

<<  <   >  >>