للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

-طريقته مع طلبة العلم: كان الشيخ - رحمه الله - يسلك مع طلبته في هذه الحلقات الطريقة الأكاديمية في التدريس. وقد كان الشيخ مدرسا في متوسطة الفرزدق. فقد كان - رحمه الله - يوصي بكتابة الدرس المراد شرحه في السبورة بيوم قبل إلقائه، وينقله الطلبة في كراساتهم بغية استعداد الطلبة وتهيئتهم لشرح المادة التي ستلقى سواء كانت فقها أم عقيدة (٣٠)، وكان يسأل عن الدرس السابق قصد الوقوف على مدى اهتمام الطلبة بالمذاكرة والمراجعة، وكان فيه نوع من الشدة في هذه الأمور.

وعامة ما كان يعقده الشيخ من دروس لطلبة العلم كان في مادتي الفقه والعقيدة، وله منهجية فيهما، فقد كان - رحمه الله - حريصا على بسط المادة العلمية بدليلها، ففي الفقه مثلا لم يكن يتعصب لمذهب مالك - رضي الله عنه - في الفتوى أو التدريس، مع أنه كان مالكي المنشأ، بل كان ميالا للدليل نزاعا إليه.

يقول الشيخ عبد الغني عوسات: ... كانت البدانة سنة ألف وتسعمائة وأربع وسبعين (١٩٧٤)، حيث كان لنا والحمد لله دراسات وجلسات استمرت واستغرقت سنتين مع الشيخ عمر العرباوي - رحمه الله - في كتاب "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد المالكي، ثم مع تعرفي عليه ومعرفتي به، ألفيته رجلا يحب الأدلة وينبذ التعصب المذهبي، ويسير مع الدليل ويثبت عليه ويصير إليه ويتوقف عنده، ذكرا وأثرا وحجة، وقوة .. ؛ كل ذلك جعلني أرتبط به وأقرأ عليه بعض الكتب كـ"الاعتصام" وفصولا كثيرة من "الموافقات"؛ كلاهما للشاطبي، وكتاب "تفسير الأحكام" للسايس (٣١).

وقد اشتهر الشيخ - رحمه الله - بتدريسه لكتاب "بداية المجتهد ونهاية القصد" لابن رشد المالكي، ثم اتخذ مؤلفا له خاص كان يملي درسه منه.

وكذلك كان الشأن في درس التوحيد، فقد سلك الشيخ فيه نفس المنهج المتبع في تدريسه لمادة الفقه، من اتباع للدليل ومن الوقوف عند أقوال العلماء ممن لهم القدم الراسخة في هذا العلم الجليل.

[خطبه الجمعية]

كان الشيخ - رحمه الله - بحق خطيبا بليغا وواعظا مؤثرا، يقول الشيخ فريد عزوق واصفا خطب الشيخ: خطبة الجمعة تختلف عن دروسه ومحاضراته، فخطب الجمعة ليست طويلة، وثانيا كانت فيها هيبة، فالشيخ يغير نبرة صوته، يرفع صوته على مرض فيه وضعف، وكان يتقصد فيها حسن البيان، كنت أستمع لخطبه وأرى فيها هيبة وصوتا جهوريا، وحسنا في السبك والبيان والصياغة، بحيث يتقصد الشيخ أن تكون الخطبة مسبوكة بطريقة بلاغية رائعة، من السهل الممتنع، يفهمها العوام، ويعجب بها أصحاب البيان، ولا عجب فهو أستاذ اللغة، لذلك كان له من القدرة البلاغية والبيانية على صياغة خطبه، ... وخطبته كانت مليئة بالأدلة من القرآن والسنة.

[مؤلفات الشيخ عمر العرباوي وآثاره]

خلف الشيخ - رحمه الله - تراثا طيبا بين: مؤلف مطبوع، ومسود يدرس منه، ومقالات منشورة في الصحف والمجلات.

أما مؤلفاته المطبوعة فهي من أنفس ما ألف وطبع في مجال الدعوة آنذاك، وأقصد بذلك كتابي الشيخ:

- "الاعتصام بالإسلام".

- كتاب التوحيد المسمى: "التخلي عن التقليد والتحلي بالأصل المفيد".

"كتاب الاعتصام بالإسلام": والذي طبع طبعته الأولى والوحيدة سنة ١٤٠٢هـ / ١٩٨٢م، هذا الكتاب كما يقول عنه الشيخ في تصديره له: يشتمل هذا الكتاب على جزأين: الجزء الأول يتكلم على التدهور الذي أصاب المسلمين من بعد سقوط الخلافة، منذ ذلك الوقت لم ينعم المسلمون بالوحدة التي أمرهم بها القرآن، والتي عليها أسلافهم الميامين ... والجزء الثاني يتكلم عن الثورة الجزائرية حين خاضت الحرب باسم الإسلام، فكان لها نصر مؤزر رغم أنها لا تملك من السلاح إلا الشيء التافه، ولكن الجزائريين تسلحوا في هذه الحرب بسلاح قوي لا يقهر ولا يغلب ألا وهو سلاح الإيمان بالله عز وجل، والوحدة المتينة (٣٢).

وقد تزامن طبع هذا الكتاب مع ظهور كتاب آخر سبقه هو كتاب (المزدكية هو أصل الاشتراكية) للعلامة الفاضل الشيخ عبد اللطيف سلطاني - رحمه الله -، وكان كتاب (الاعتصام بالإسلام)


(٣٠) كما أفادني به الشيخ أبو عبد الرحمن محمود لقدر، وهذا أثناء دراستهم على الشيخ في مسجد (جنان مبروك)، وكذلك نفس الطريقة التي بقي ينتهجها الشيخ في مسجد الشافعي كما ذكر لي الشيخ فريد عزوق.
(٣١) نبذة عن حياة الشيخ عبد الغني عوسات نقلا من موقعه حفظه الله: http//www.aoussat.com.
(٣٢) الاعتصام بالإسلام ص: ٤

<<  <   >  >>