للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخيه إبراهيم بن عبد الله، معتزليا بليغا خطيبا، فكاتبهم إدريس وكلّمهم البصري وكان حسن البيان فسارع الناس إلى إدريس واتبعوه». فالمعتزلي هنا رجل من المشرق، ولا ذكر للقبائل التي كاتبها إدريس «وكلّمها البصري» ولا لمواطن نزولها والكلام كلام عام إلا أنّه يؤكد وجود هذه الصلة أو الرابط بين نجاح دعوة إدريس وانتشار مذهب الاعتزال في افريقية والمغرب، وهذا ما تظهره الرسالة المنسوبة إلى إدريس والتي أرسلها لقبائل البربر [١].

أما بالنسبة للصفرية الذين ورد ذكرهم في النصّ، فنحن نعرف أن مذهبهم انتشر بين القبائل البربرية خاصة قبائل المغرب الأقصى مطغرة وزناته وبرغواطة وأن نفوذهم امتدّ في المغربين الأدنى والأقصى وقاموا بثورات عدّة قضى عليها آل المهلّب، وأنهم بقوا منتشرين في الزاب وتلمسان وقامت لهم دولة في سجلماسة هي دولة بني مدرار. وكان بين الصفرية والإباضية معارك عدّة، ويبدو أن هؤلاء الصفرية-أو أوزاعهم كما يسميهم ابن خلدون-قد انضموا إلى إدريس وشاركوا في معاركه، خاصة بطون من مكناسة. أما صفرية تلمسان فقد حاربهم إدريس ودخل بلدهم سنة ١٧٤ وبنى مسجدها.

إن معلوماتنا قليلة جدا عن سيرة إدريس ونشاطه في وليلة-أي في المرحلة الثالثة من مراحل دعوته في المغرب-وتكاد رواية ابن أبي زرع تكون الأكثر تفصيلا، فهو يذكر فتوحاته في السنوات ١٧٢ و ١٧٣ في بلاد تادلة وتامسنا ومحاربته لمن بقي في قبائل البربر على دين اليهودية والنصرانية، ويذكر فتحه لتلمسان سنة ١٧٤ صلحا، وبناء جامعها، غير أنّه لا يذكر شيئا عن تعرّضه للإباضية.

أما مخطوطة «أخبار فخ» فتنحو منحى آخر وتشير إلى أنّ إدريس جعل همته في قتال الخوارج-يعني عبد الوهاب بن رستم- «وهذا بعدما أقام بطنجة سبع سنين» (؟)؛ ويغلب على الظن أن المقصود بالسنين السبع هو مدّة إقامته


[١] انظر ما يلي ص ١٧٥ - ١٨١.

<<  <   >  >>