للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* درجات التدبر:

للتدبر درجات؛ الأولى: التفكر، ثم التأثر، ثم الخضوع والعمل، ثم استنباط الكنوز من العبر والأحكام والوصايا وغيرها.

والناس فيما يقرأون ويسمعون أنواع، وقد ذكر الله سبحانه في كتابه العزيز أن كتابه ذكرى لمن كان له قلب خاشع، وبصر شاهد.

قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)} [ق ٣٦: ٣٧].

قال ابنُ قَيِّمِ الجوزية: "النَّاسُ ثلاثة: رجل قلبُه مَيت، فذلك الذي لا قلبَ لهُ، فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقِّهِ.

الثاني: رجل له قلب حيٌّ مستعد، لكنهُ غيرُ مُستمعِ للآيات المتلُوةِ التي يُخبِرُ بها اللهُ عن الآياتِ المشهُودةِ: إما لعدم وُرُودها، أو لوصولها إليه، ولكن قلبه مشغولٌ عنها بغيرها، فهو غائبُ القلبِ ليس حاضرًا، فهذا أيضاً لا تحصلُ له الذِّكرى، مع استعدادهِ ووجودِ قلبه.

والثالثُ: رجلٌ حيٌّ القلبِ مُستعدٌّ، تُليَت عليه الآياتُ، فأصغَى بسمعهِ، وألقى السمعَ وأحضَرَ قلبَهُ، ولم يشغلهُ بغير فهم ما يسمعُهُ، فهو شاهدُ القلب، مُلقِي السمعَ، فهذا القسمُ هو الذي ينتفعُ بالآيات المتلُوّةِ والمشهودة.

فالأولُ: بمنزلهَ الأعمَى الذي لا يُبصِرُ.

والثاني: بمنزلةِ البصيرِ الطامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه،

<<  <   >  >>