للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أن يطلب صديقًا صَدُوقًا بصيرًا مُتَدَينًا، يلاحظ أفعاله وأقواله، فما كره من أخلاقه وعيوبه، ينبهه عليها، وكان هذا دأب الكرام بقولهم: "رحم اللهُ من أهدى إليَّ عيوبي" (١).

فكل من كان أوفر عقلًا، كان أقل الناس إعجابًا، وأعظمهم اهتمامًا وفرحًا بتنبيه غيره له على عيوبه، يا لَلْأَسف فقد آل الأمر في أمثالنا إلى أن أبغض الخلق إلينا من ينصحنا ويعرفنا عيوبنا.

الثالث: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنةِ أعدائه، ولعل انتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مُداهن يثني عليه ويُخفي عنه عيوبَه (٢).

الرابع: أن يخالط الناس، فكل ما رآه مذمومًا فيهم فليبتعد عنه، وينفر منه، فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه ويعلم أن الطباع متقاربة في اتباع الهوى فما يتصف به غيره، فلا ينفك هو عن أصله، أو عن أعظم منه، أو عن شيء منه، فليتفقد نفسه، ويطهرها من كل ما يذمه من غيره، وناهيك بهذا تأديبًا، فلو ترك الناس كل ما يكرهونه من غيرهم، لاستغنوا عن المؤدب، وهذا كله لازم لمن فقد شيخًا مربيًا ناصحًا في الدين، وإلا فمن وجده فقد وجد الطبيب فليلازمه، فإنه يخلصه من مرضه، فاحفظ هذا فإنه مهم.

وقيل لرجل: من أدبك؟ قال: رأيتُ جهل الجهال قبيحًا، فاجتنبته، فتأدبت.


(١) ينظر "سير أعلام النبلاء" (٣٩٣/ ٧).
(٢) "مختصر منهاج القاصدين" (١٦١).

<<  <   >  >>