للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شوق لرؤية وجه السلطان الذي ازدان به العالم، اندفعوا للاستقبال اندفاع العاشق المهجور للوصال أو من كاد يهلك من الظّمأ طلبا للماء الزّلال.

وقبّلوا الأرض ثم أدركوا شرف السعادة فقبّلوا باسطة من ازدان به العالم، وانطلقوا صوب المدينة في خدمة موكب السلطان.

وما إن استراح السلطان هناك يومين أو ثلاثة حتى ارتحل إلى العاصمة.

وحين حمل بريد الصّبا نسيم الطرّة المسكية للرّايات التي خفقت بيد الطلائع الميمونة لملك العالم- إلى مشام سكّان «قونية» انبعثت لدى الجميع بواعث العزم للتّعرض لنفحات السّعادة الناجّمة عن لقاء سلطان المشارق والمغارب.

فوضعوا ما اكتسبوه في أعمارهم وادّخروه طوال حياتهم نثارا لقدوم المليك، وصنعوا خمسمائة جوسق (١)، مائتين جارية وثلاثمائة ساكنة، وزيّنوها جميعا بغرائب السّلاح والخرائد الملاح، وساروا حتى منطقة «أبروق» للاستقبال.

فلما اكتحلت العيون بنور مستمدّ من الغبار المتصاعد من حوافر حصان ملك العالم، صار وصفهم «خرّوا سجّدا» (٢) دون إعمال تكلّف، وزلزلت صيحة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (٣) قواعد القصر المشيّد. ونال «حسام الدين أمير أريف سوباشي» وغيره من الوجهاء شرف الاختصاص، فجلسوا على المائدة وحضروا الحفل السلطاني. ثم إنهم توجهوا ذلك اليوم إلى صحراء «روزبه»،


(١) في الأصل: «كوشك» وهي كلمة فارسية عربت «جوسق»، وهو مقر صغير في بقعة بعيدة على العمران. ويبدو أن بعضها كان ينقل من مكان إلى آخر كما هو واضح من النصّ.
(٢) تضمين من قول الله- عز وجل-: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (سورة مريم: ٥٨).
(٣) من سورة فاطر، الآية ٣٤.