للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخيولهم مجرّدة من السّروج، وألهب الخوارزميّة واضطربوا اضطراب الزئبق، ولم تلبث الأمواج المتلاطمة لبحر الحرب أن أطفأت شعلة «السّراج الوهّاج» (١) وبدّل الغبار المنبعث من تحت الأقدام اللّيل بالنّهار. وكان يخشى أن يفر الشّاميّون من الميدان تحت وطأة الضّغطة الخوارزمية، فباغتهم ظهير الدين منصور وعطف عليهم فجأة، فتحقّق له الظفر، وألجأهم إلى الفرار والجلاء.

/ وبعد أن تتابع الفرار وجد بعضهم نفسه بنواحي «بغداد». ولقد عاملهم أمير المؤمنين المستنصر بالإعزاز، وأكرم وفادتهم.

وفي تلك المعركة تحقّق لكلا الجيشين: الشّامي والرّومي مالا حصر له من الأمتعة والأسلاب.

وكان «شهاب الدين زندري» منشئ الحضرة الجلاليّة قد تقلد في ذلك الوقت وزارة «بركت خان» (٢)، وأصبح نائبا لقلعة «حرّان». فلما سمع بنبأ انكسار ولي نعمته فكّر في أن يغتنم فرصة ليتوجّه نحو الرّوم وينتظم في سلك مماليك تلك الدولة، «وإن أنا سلّمت القلعة لسلطان الروم فلا شك أنه يتعين عليّ الانصراف إلى دياره لأني لن أستطيع النظر في وجه «بركت» خجلا».

وكان الملك المنصور قد بذل بدوره الوعود- سرّا- لشهاب الدين زندري و «جمال الدين حبش» - مجتمعين- بإمارات مقنعة ومغنية.

وفجأة حملت راية «الملك الناصر» - صاحب حلب- وعلّقت فوق القلعة، فتعالت الأصوات بالدّعاء له، فلم يقل «ظهير الدين» وغيره من أمراء الروم شيئا تعظيما للقدر، وظلّوا بضعة أيام سويّا، ثم انصرف كل واحد منهم إلى ناحية.


(١) يريد به الشمس.
(٢) قارن أ. ع، ٤٩٢، وعبارة الأصل مضطربة.