للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مسكة فى العقول، وملتزم شىء من ذلك مخبل مخبول انتهى. وهذه الإلزامات كلها ليس شىء منها يلازم لذلك، ودعوى استلزامه لذلك عين الجهل والعناد، وبيانه: أن رؤيته صلى الله عليه وسلم لا تستلزم خروجه من قبره، لأن من كرامات الأولياء كما مر، أن الله يخرق لهم الحجب فلا مانع عقلا ولا شرعا، ولا عادة أن الولى، وهو بأقصى المشرق أو المغرب يكرمه الله بأن لا يجعل بينه وبين الذات الشريفة، وهى فى محلها من القبر الشريف، ساترا ولا حجابا بأن يجعل تلك الحجب كالزجاج الذى يحكى ما وراءه. وح فيمكن بأن الولى يقع نظره عليه صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم أنه حى فى قبره يصلى، وإذا أكرم إنسان بوقوع بصره عليه، فلا مانع من أن يكرم بمحادثته ومكالمته وسؤاله عن أشياء، وأنه يجيبه عنها، وهذا كله غير مناف شرعا ولا عقلا، وإذا كانت المقدمات والنتيجة غير منكرين عقلا ولا شرعا، فإنكار أحدها أو إنكار أحدهما غير ملتفت إليه، ولا معول عليه، وبهذا يعلم أن ما ذكره من إشارة القرطبى غير لازم أيضا. كيف وقد مرّ القول بأن الرؤيا فى النوم، رؤيا بالحقيقة عن جماعة من الأئمة، ومنهم أيضا صاحب فتح البارى، فقال بعد ما مرّ عن ابن أبى جمرة، وهذا مشكل جدا، ولو حمل على ظاهره، لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة انتهى. ويرد: بأنا قررنا ما يعلم به أنه لا إشكال فى ذلك بوجه، ودعواه تلك الملازمة ليست فى محلها، كيف والشرط فى الصحابى أن يكون رآه فى حياته، حتى اختلفوا فيمن رآه بعد موته وقبل دفنه، هل يسمى صحابيا أو لا؟ على أنه هذا أمر خارق للعادة والأمور التى كذلك لا يغير لأجلها القواعد الكلية. ونوزع فى ذلك أيضا، بأنه لم يحك ذلك عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم، ولأن فاطمة رضى الله عنها اشتد حزنها عليه صلى الله عليه وسلم حتى ماتت كمدا بعده بستة أشهر وبيتها مجاور لضريحه، ولم ينقل عنها رؤيته تلك المدة انتهى.

ويرده أيضا بأن عدم نقله لا يدل على عدم وقوعه فلا حجة فى ذلك كما هو مقرر فى محله، وكذلك موت فاطمة رضى الله عنها كمدا لأنه قد يكرم به المفضول بما لم يكرم به الفاضل. وتأويل الأهذل وغيره ما وقع للأولياء من ذلك، إنما هو فى حال غيبته، فيظنونه يقظة، فيه إساءة ظن بهم حيث تشتبه عليهم رؤية المغيبة برؤية اليقظة، وهذا لا يظن بأدون العقلاء، فكيف بالأكابر؟ وعجيب قوله فى قول العارف أبى العباس المرسى:

لو حجب عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسى من المسلمين هذا فيه تجوز،

<<  <   >  >>