للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما تيقن عدوُّ الله الخبر خرج حتى قدم مكة، فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضُبيرة السهمىَّ، وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، فأنزلته وأكرمته وجعل يحرَّض على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وينشد الأشعار، ويبكي أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر.

ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبَّبَ بنساء المسلمين (١) حتى آذاهم (٢) فقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لِكَعْبِ بن الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى الله وَرَسُولَهُ؟ "، فَقَامَ مُحَمَّدُ بن مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَمُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا، قَالَ: ((قُلْ) فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بن مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً - يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - وَإِنَّهُ قَدْ عزَّانا (٣)، وإنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاللهِ لَتَمَلُّنَّهُ، قَالَ: إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إلى أَيِّ شَئءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، قَالَ: نَعَمِ ارْهَنُونِي، قَالُوا: أَيَّ شَئءٍ تُرِيدُ؟ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ؟ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّا نَرهَنُكَ اللَّأْمَةَ- يَعْنِي السّلَاحَ- فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا (٤) وَمَعَهُ أبو نَائِلَةَ، وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وأبو عيسى بن جبر، والحارث بن أوس وعباد بن بشر.

ومشى معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بقيع الغرْقد، ثم وجههم، فقال: "انطلقوا


(١) شبب بنساء المسلمين: أي تغزل فيهنَّ وذكرهن في شعره.
(٢) من "سيرة ابن هشام" بتصرف.
(٣) أي: أتعبنا.
(٤) متفق عليه: أخرجه البخاري (٤٠٣٧)، كتاب: المغازي، باب: قتل كعب بن الأشرف، ومسلم (١٨٠١)، كتاب: الجهاد والسير، باب: قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود.

<<  <   >  >>