للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَلَمَّا أَتَى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذَا الْحُلَيْفَةِ (١) قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ (٢)، وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ -وهو بشر بن سفيان الكعبي، ليعلم له أخبار قريش- وَسَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ (٣) أَتَاهُ عَيْنُهُ، فقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ (٤) وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ، فَقَالَ: "أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إلى عِيَالِهِمْ وَزَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ الْبَيتِ، فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ الله عزّ وجلّ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ"، قَالَ أبو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ الله خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ، فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، فقَالَ- رسول الله-: "امْضُوا عَلَى اسْمِ الله" (٥).

فسار النبي - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ: "إِنَّ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ في خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ (٦) فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ"، فَوَ اللهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ


(١) ذو الحليفة هو ميقات أهل المدينة الذي يُحرمون من عنده، وهو الذي يُسمى الآن بـ (أبيار عليّ)، وتبعد عن المدينة أحد عشر كيلو مترًا، وبينها وبين مكة أربعمائة وأربعة وستون كيلو مترًا تقريبًا.
(٢) الهدي: ما يُهدى من النعم إلى الحرم تقربًا إلى الله عزّ وجلّ، ويكون الهدي من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، وتقليد الهدي: هو أن يعلق في عنقها نعلين، أو يضع عليها شيئًا من صوف ونحوه علامة لها أنها من الهدي، والتقليد عام للبقر والغنم والإبل، أما الإشعار: هو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل الدم، ثم يسلته، ويكون ذلك في الجانب الأيمن لسنمة البعير، والإشعار خاص بالإبل فقط دون البقر والغنم.
(٣) غدير الأشطاط: اسم مكان وراء عُسْفان على بعد ثمانين كيلو من مكة.
(٤) الأحابيش: هم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو الحارث بن عبد مناة ابن كنانة، وبنو المصطلق بن خزاعة، كانوا تحالفوا مع قريش، قيل تحت جبل يقال له: الحبش أسفل مكة، وقيل: سمُّوا بذلك لتحبشهم، أي: تجمعهم، والتحبش: التجمع.
(٥) صحيح: أخرجه البخاري (٤١٧٨، ٤١٧٩)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية.
(٦) الطليعة: مقدمة الجيش.

<<  <   >  >>