للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد طالما قد كنتِ مُطْمئنه ... هل أنتِ إلا نطفة في شَنَّه (١)

وقال أيضًا:

يا نفسُ إلا تُقْتلي تموتي ... هذا حِمامُ الموتِ قد صليتِ

وما تمنَّيت فقد أعْطيتِ ... إن تفعلي فعلهما هديتِ

يريد صاحبيه: زيدًا وجعفرًا، ثم نزل، فلما نزل أتاه ابن عم له بعَرْق (٢) من لحم فقال: شُدَّ بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذا ما لقيت، فأخذه من يده ثم انتهش (٣) منه نهشة، ثم سمع الحَطْمَة (٤) في ناحية الناس، فقال: وأنت في الدنيا، ثم ألقاه من يده، ثم أخذ بسيفه فتقدم، فقاتل حتى قُتِل.

فلما قُتل القوَّاد الثلاثة - رضي الله عنهم - أخذ الراية ثابت بن أرقم - رضي الله عنه - , ثم قال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، وعند الطبراني أن ثابت أعطى الراية خالد وقال: أنت أعلم بالقتال مني.

فلما أخذ الراية دافع وانحاز بالمسلمين حتى انصرف وكان انسحابًا منظمًا لم يُلحق بالمسلمين خسائر كثيرة، بل لم يستشهد من المسلمين في المعركة كلها سوى ثلاثة عشر صحابيًا فقط - كما ذكر أهل المغازي - واستحق خالد - رضي الله عنه - لقب: سيف الله، الذي منحه إياه الذي لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم - (٥).


(١) النطفة: الماء القليل الصافي، والشَّنة: القربة القديمة.
(٢) العَرْق: العظم الذي عليه بعض اللحم.
(٣) انتهش: أخذ منه بفمه يسيرًا.
(٤) الحطمة: الكسرة.
(٥) ذكر هذه الأحداث ابن إسحاق "سيرة ابن هشام" (٢٢٢ - ٢٢٤)، قصة عقر جعفر لفرسه وإنشاده، وخبر تردد ابن رواحة حتى قتل بسند حسن.

<<  <   >  >>