للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما كان قبيل بعثته - صلى الله عليه وسلم - ترادفت عليه علامات نبوته وتكاثرت وحدث بها الأحبار والرهبان والكهان، فأما الأحبار والرهبان فبما علموه من كتبهم، وأما الكهان فبما تأتيهم به شياطينهم من استراق السمع.

ومن ذلك ما رواه البخاري في "صحيحه": عَنْ عبد الله بن عُمَرَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيءٍ قَطُّ يَقُولُ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ في الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَى الرَّجُلَ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي، قَالَ كُنْتُ كَاهِنَهُمْ في الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا في السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ، فَقَالَتْ:

أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وإِبْلَاسَهَا (١) ... وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا

وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا

قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ (٢) أَمْرٌ


(١) تقول أبلس الرجل إذا سكت ذليلًا أو مغلوبًا. ويأسها من بعد إنكاسها: اليأس ضد الرجاء، والإنكاس الإنقلاب، ومعناه: أنها يأست من استراق السمع بعد أن كانت قد ألفته فانقلبت عن الاستراق مذ يأست من السمع.
والقلاص بكسر القاف وبالمهملة: جمع قلص بضمتين وهو جمع قلوص وهي الفتية من النياق.
والأحلاس: جمع حلس بكسر فسكون وهو كساء جلد يوضع علي ظهر البعير.
(٢) الجليح معناه: الوقح المكافح بالعداوة. قال ابن حجر: ووقع في معظم الروايات التي أشرت إليها يا آل ذريح وهم بطن مشهور في العرب.

<<  <   >  >>