للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن كَعْبِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَغَزَاهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاستَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَمَفَازًا (١)، وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ، فَجَلَّى (٢) لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ؛ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ (٣).

وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالإنفاق لتجهيز جيش العُسْرة (٤)، فقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ"، فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ بن عفان - رضي الله عنه - (٥).

وقد تبرع عُثْمَانُ - رضي الله عنه - من المال فقط بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَجاء بها فنْثُرَهَا في حِجْرِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يُقَلِّبُهَا في حِجْرِهِ، وَيَقُولُ: "ما ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ، مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ" (٦).

وأخذ المنافقون في تثبيط المؤمنين عن الخروج والجهاد في سبيل الله وقالوا: {لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التوبة: ٨١].

وفي ذلك يقول الله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (٨١)} [التوبة: ٨١].


(١) المفاز: الفلاة التي لا ماء فيها.
(٢) جلَّى: أي: أوضح وبيَّن.
(٣) متفق عليه: انظر تخريجه في شرح الفقرة (٢٠) من هذه السنة.
(٤) سُمي جيش العُسْرة للعُسْر والشدة التي كان عليها المسلمون حينها.
(٥) صحيح: أخرجه البخاري (٢٧٧٨)، كتاب: الوصايا، باب: إذا وقف أرضًا أو بئرًا واشترط لنفسه مثل دِلاء المسلمين.
(٦) حسن: أخرجه الترمذي (٣٠٧١)، كتاب: المناقب، باب في مناقب عثمان - رضي الله عنه - وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وحسنه الألباني في "المشكاة" (٦٠٦٤).

<<  <   >  >>