للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - متوجهًا إلى تبوك بجيش يقرب من الثلاثين ألف مقاتل (١)، معهم حوالي عشرة آلاف فرس، وخلَّف على المدينة عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - (٢)، فَقَالَ عليٌّ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أَتُخَلِّفُنِي في الصِّبْيَانِ وَالنِسَاءِ؟ قَالَ: "أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي (٣).

وكان خَرَوجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه الغزوة يَومَ الْخَمِيسِ حيث كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ في جميع أصفاره (٤).

وفي الطريق أصاب المسلمين مجاعة شديدة وعطش، فعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَوْ أبي سَعِيدٍ (شَكَّ الْأَعْمَشُ) قَالَ: لَمَّا كَانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا، فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: افْعَلُوا، قَالَ فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ وَلَكِنْ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ثُمَّ ادْعُ الله لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ لَعَلَّ الله أَنْ يَجْعَلَ في ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ"، فَدَعَا بنطَعٍ فَبَسَطَهُ ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِم،


(١) انظر: "السيرة النبوية الصحيحة" ٢/ ٥٣١، حيث قال: ويبدو أن أغلب المؤرخين يمليون إلى القول أنهم كانوا ثلاثين ألفًا. اهـ
(٢) ذكر بعض أهل السير ومنهم ابن هشام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري، أو سباع بن عُرْفطة، واستخلف عليًّا على أهل بيته فقط، قلت: وهذا التفصيل لم يأت في رواية صحيحة، إنما الذي جاء في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل عليًا، وقول عليّ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أتُخلّفني في الصبيان والنساء، يوضح أنه - رضي الله عنه - كان على المدينة كلها وليس على أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط. والله أعلم.
(٣) متفق عليه: أخرجه البخاري (٤٤١٦)، كتاب: المغازي، باب: غزوة العسرة، ومسلم (٢٤٠٤)، كتاب: فضائل الصحابة, باب: من فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
(٤) صحيح: أخرجه البخاري (٢٩٥٠)، كتاب: الجهاد والسير، باب: مَن أراد غزوة فورَّى بغيرها ومَن أحب الخروج يوم الخميس.

<<  <   >  >>