للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خرج يتبع أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماشيًا، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين، فقال: يا رسول الله, إن هذا الرجل ماش على الطريق، وحده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كن أبا ذر"، فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، وببعث وحده" (١).

وكان أبو خَيْثَمَةَ - رضي الله عنه - رَجَعَ -بَعْدَ أَن سَارَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَيّامًا- إلَى أَهْلِهِ في يَوْمٍ حَارّ، فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ في عَرِيشَيْنِ (٢) لَهُمَا في حَائِطِهِ، قَدْ رَشّتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا، وَبَرّدَتْ لَهُ فِيهِ مَاءً، وَهَيّأَتْ لَهُ فِيهِ طَعَامًا، فَلَمّا دَخَلَ قَامَ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ، فَنَظَرَ إلَى امْرَأَتَيْهِ وَمَا صَنَعَتَا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الضّحّ (٣) وَالرّيحِ وَالْحَرّ، وَأبو خَيْثَمَةَ في ظِلّ بَارِدٍ، وَطَعَامٍ مُهَيّأٍ، وَامْرَأَةٍ حَسْنَاءَ، في مَالِهِ مُقِيمٌ، مَا هَذَا بِالنّصَفِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللهِ لَا أَدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَتّى أَلْحَقَ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَهَيّئا لِي زَادًا، فَفَعَلَتَا، ثُمَّ قَدّمَ نَاضِحَهُ فَارْتَحَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ في طَلَبِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتّى أَدْرَكَهُ حِينَ نَزَلَ تَبُوكَ، وَقَدْ كَانَ أَدْرَكَ أَبَا خَيثَمَةَ عُمَير بن وَهْبٍ الْجُمَحِي في الطّرِيقِ، يَطْلُبُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَتَرَافَقَا، حَتّى إذَا دَنَوَا مِنْ تَبُوكَ، قَالَ أبو خَيْثَمَةَ لِعُمَيْرِ بن وَهْبٍ: إنّ لي ذَنْبًا، فَلَا عَلَيْك أَنْ تَخَلّفَ عَنّي حَتّى آتِيَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَفَعَلَ حَتّى إذا دَنَا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ نَازِلٌ بِتَبُوكَ، قَالَ النّاسُ: هَذَا رَاكِبٌ عَلَى الطّرِيقِ مُقْبِلٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُنْ أَبَا خَيثَمَةَ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله هُوَ وَاَللهِ أبو خَيْثمَةَ، فَلَمّا أَنَاخَ أَقْبَلَ فَسَلّمَ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْلَى لَكَ (٤) يَا أَبَا خَيثَمَة"، ثُمَّ أَخْبَرَ


(١) أخرجه الحاكم ٣/ ٥٠، ٥١، وصححه ووافقه الذهبي، ولكنه قال: فيه إرسال، وابن كثير في "البداية والنهاية" ٥/ ٧٣، وقال: إسناده حسن.
(٢) العريش: شبيه الخيمة.
(٣) الضّحّ: الشمس.
(٤) أَوْلَى لَكَ: كلمة فيها معنى التهديد، معناها: دنوت من الهلكة.

<<  <   >  >>