للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَرَاءَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْرُسُونَهُ، حَتَّى إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: "لَقَدْ أُعْطِيتُ اللَّيلَةَ خَمْسًا، مَا أُعْطِيَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: أَمَّا أَنَا فَأُرْسِلْتُ إلى النَّاسِ كُلِّهِمْ عَامَّةً، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا يُرْسَلُ إِلَى قَوْمِهِ، وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ لَمُلِئَ مِنْهُ رُعْبًا، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ آكُلُهَا، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ أَكْلَهَا؛ كَانُوا يُحْرِقُونَهَا، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسَجِدًا وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ في كَنَائِسِهِم وَبِيَعِهِمْ، وَالْخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ، قِيلَ لِي: سَلْ، فَإنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ، فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إلى يَوْمِ الْقِيَامة، فَهِيَ لَكُم وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله" (١).

ومما حدث أيضًا في هذه الغزوة ما يرويه أبو حُمَيْد الساعدي - رضي الله عنه - حيث قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِي الْقُرَى، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي مُسْرِعٌ، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُنم فَلْيُسْرِعْ مَعِي، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ"، فَخَرَجْنَا، حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: "هذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ" (٢).

وفي مرَجَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ تَبُوكَ، وحين دَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ (٣).


(١) إسناده صحيح: أخرجه أحمد (٧٠٦٨)، بسند رجاله ثقات.
(٢) متفق عليه: أخرجه البخاري (١٤٨١)، كتاب: الزكاة، باب: خرص الثمر، ومسلم (١٣٩٢)، كتاب: الفضائل، باب: في معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٣) متفق عليه: أخرجه البخاري (٤٤٢٣)، كتاب: المغازي، باب: نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجر، ومسلم (١٩١١)، كتاب: الإمارة، باب: ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر.

<<  <   >  >>