للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُوصِيهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: "يَا مُعَاذُ إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وْلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا وْقَبْرِي"، فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعًا لِفِرَاقِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ الْتَفَتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا" (١).

وعَنْ أبي بُرْدَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بن جَبَل إلى الْيَمَنِ قَالَ وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ (٢)، قَالَ وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ ثمَّ قَالَ يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلى عَمَلِهِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ في أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسَارَ مُعَاذٌ في أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أبي مُوسَى فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَقَدْ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ يَا عبد الله بن قَيْسٍ أَيُّمَ هَذَا قَالَ هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ قَالَ لَا أَنْزِلُ حَتَّىِ يُقْتَلَ قَالَ إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ قَالَ مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ فَأَمَرَ بهِ فَقُتِلَ ثُمَّ نزَلَ فَقَالَ يَا عبد الله كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا (٣)، قَالَ فَكَيْفُ تَقْرَأُ أنْتَ يَا مُعَاذُ قَالَ أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَأقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنْ النَّوْمِ فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ الله لِي فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي (٤).

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بن جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى


(١) إسناده حسن: أخرجه أحمد ٥/ ٢٣٥، بإسناد حسن.
(٢) المخلاف: هو الإقليم، بلغة أهل اليمن، وكانت جهة معاذ العليا إلى صوب عدن، وله بها مسجد مشهور إلى اليوم، وكانت جهة أبي موسى السفلى (فتح).
(٣) يعني: ألازم قراءته ليلاً ونهارًا، شيئًا بعد شيء، وحينًا بعد حين، مأخوذ من فواق الناقة، وهو أن تُحلب ثم تُترك ساعة حتى تدر، ثم تُحلب هكذا دائمًا. (فتح).
(٤) صحيح: أخرجه البخاري (٤٣٤١، ٤٣٤٢)، كتاب: المغازي، باب: بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع.

<<  <   >  >>