للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: "يَابني فِهْرٍ يَابني عَدِيٍّ" - لِبُطُونِ قُرَيْشٍ - حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ فَجَاءَ أبو لَهَب وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيكُمْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ " قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: "فَإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ" فَقَالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢)} [المسد:١ - ٢] (١).

ثم شمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ساعديه، وألقى النوم والراحة وراء ظهره، وأخذ يدعو إلى الله وإلى دين ربه عز وجل فهو لا يريد أن يضيع لحظة واحدة في غير الدعوة إلى الله.

ولم تكن الدعوة سهلة يسيرة، ولم يكن طريقها مفروش بالورود، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد واجه من الصعوبات والمشقة مالا يتحمله غيره، وصدق الله تعالى إذ يقول: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)} [المزمل: ٥].

وكان سبب هذه الصعوبات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بُعث على فترة من الرسل حتى إن كفار قريش قد ورثوا عبادة الأصنام والأوثان كابرًا عن كابر، فلم تكن عندهم أدنى موافقة على ترك دين آبائهم وأجدادهم إلى التدين بهذا الدين الجديد، بل كانوا يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢)} [الزخرف: ٢٢].


(١) متفق عليه: أخرجه البخاري (٤٧٧٠)، كتاب: التفسير، سورة الشعراء، باب: وأنذر عشيرتك الأقربين، مسلم (٢٠٨) كتاب الإيمان, باب: وأنذر عشيرتك الأقربين كلاهما عن ابن عباس ونحوه عن أبي هريرة, ومسلم عن عائشة وزهير بن عمرو وقبيصة بن مخارق.

<<  <   >  >>