للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَتَفَهَّمُوا بِجَلِيَّةِ التِّبْيَانِ، وَيَنْتَبِهُوا قَبْلَ رَيْنِ الْغَفْلَةِ، وَيَعْمَلُوا قَبْلَ انْقِطَاعِ الْمُدَّةِ، حِينَ لَا يُعْتَبُ مُذْنِبٌ، وَلَا تُؤْخَذُ فِدْيَةٌ، وَ (تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا، وَمَا عَمِلَتْ من سوء تودلو أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) .

وَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) رَحْمَةً وَحُجَّةً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ.

قَالَ: وَالنَّاسُ فِي الْعِلْمِ طَبَقَاتٌ، مَوْقِعُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِ دَرَجَاتِهِمْ فِي الْعِلْمِ بِهِ، فَحَقَّ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بُلُوغُ غَايَةِ جُهْدِهِمْ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمِهِ، وَالصَّبْرُ عَلَى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبِهِ، وَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ فِي اسْتِدْرَاكِ عِلْمِهِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا، وَالرَّغْبَةُ إلَى اللَّهِ فِي الْعَوْنِ عَلَيْهِ- فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ خَيْرٌ إلَّا بِعَوْنِهِ- فَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَ عِلْمَ أَحْكَامِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ نَصًّا وَاسْتِدْلَالًا، وَوَفَّقَهُ اللَّهُ لِلْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِمَا عَلِمَ مِنْهُ- فَازَ بِالْفَضِيلَةِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيَبُ، وَنَوَّرَتْ فِي قَلْبِهِ الْحِكْمَةُ، وَاسْتَوْجَبَ فِي الدِّينِ مَوْضِعَ الْإِمَامَةِ. فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْمُبْتَدِئَ لَنَا بِنِعَمِهِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، الْمُدِيمَ بِهَا عَلَيْنَا مَعَ تَقْصِيرِنَا فِي الْإِتْيَانِ عَلَى مَا أَوْجَبَ مِنْ شُكْرِهِ لَهَا، الْجَاعِلَنَا فِي خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ-: أَنْ يَرْزُقَنَا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلًا وَعَمَلًا يُؤَدِّي بِهِ عَنَّا حَقَّهُ، وَيُوجِبُ لَنَا نَافِلَةَ مَزِيدِهِ. فَلَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ نَازِلَةٌ إلَّا وَفِي كِتَابِ اللَّهِ الدَّلِيلُ عَلَى سُبُلِ الْهُدَى فِيهَا.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ١٤- ١) وَقَالَ تَعَالَى: (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ١٦- ٨٩) وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ١٦- ٤٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>