للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصياغة والمعنى، بل تنحصر مهمته بحفظ الموحي وتبلغيه. وأما بيانه وتفسيره فيتم بأسلوب النبي كما يظهر في أحاديثه المحفوظة. وهو أسلوب مغاير تماماً لأسلوب القرآن، إن محاولة البعض تعليل اختلاف أسلوب القرآن عن أسلوب الحديث عن طريق علم النفس التحليلي بدعوى أن القرآن صدر من منطقة اللاشعور في حالة ضعف الوعي الخارجي ونشاط العقل الباطن، وأن الحديث صدر عن العقل الظاهر (١) تبدو متهافتة إذا تأملنا فيما صدر عن الحكماء والشعراء والبلغاء من آثار أدبية تتضح فيها الوحدة الأسلوبية رغم مرورهم بتجارب تأملية واستبطانية، وصار مبدأ الأسلوب أساساً لتحديد السرقات الأدبية إلى جانب سرقة المعاني، ولا شك أن الهروب من الاعتراف بالوحي هو الدافع إلى التفسيرات العديدة المتناقضة لظاهرة الوحي، والتي قدمها المستشرقون وأتباعهم خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.

إن ظاهرة الوحي ظلت تواجه المستشرقين فلا يتمكنون من إعطاء تفسير لها بل يقعون في الحيرة والتناقض ويلجأون إلى الاتهامات القديمة التي سبق أن قالها العرب الجاهليون في مكة عند نزول الإسلام مما رده القرآن. قال تعالى يحكي تلك الاتهامات {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} وقال {إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ}.

وفي القرن العشرين يقول المستشرقون إن الرسول صلى الله عليه وسلم تعلّم من ورقة (٢) بن نوفل، ومرة يقولون من بحيرا الراهب، وأحياناً يرددون أنه تعلم من يهود مكة!! ونحن نعلم أن مكة لم يكن فيها يهود. وإن لقاءه ببحيرا - لو ثبت - لا يعدو


(١) راجع كتاب (محمد في مكة) لمونتكمري واط.
(٢) يقول مونتكمري واط في كتابه محمد في مكة ٩٣
"من الأفضل الافتراض بأن محمدا كان قد عقد صلات مستمرة مع ورقة منذ وقت مبكر وتعلم أشياء كثيرة، وقد تأثرت التعاليم الإسلامية اللاحقة كثيراً بأفكار ورقة، وهذا يعود بنا إلى طرح مشكلة العلاقة بين الوحي الذي نزل على محمد والوحي السابق له" مع العلم أن كتب السيرة لم تثبت سوى لقاء واحد مع ورقة.!!

<<  <  ج: ص:  >  >>