للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الساعة أو الساعتين وهو غلام في الثانية عشرة من عمره!! وأن التوراة والإنجيل لم يترجما إلى العربية إلا بعد قرون من عمر الرسالة، ولو كانا قد ترجما فإن أميته تحول دون إفادته منهما (١). نعم يوجد ثمة تشابه بين القصص الديني في القرآن وما ورد في التوراة (وشرحه التلمود) والإنجيل، وهو تشابه مرجعه وحدة المصدر (٢) الإلهي. كما أن ثمة اختلافا جوهريا في التصور النهائي للأنبياء وتنزيههم في أعمالهم وخصائصهم بين القرآن والكتب المنزلة السابقة عليه، وهو اختلاف يرجع إلى ما تعرضت له تلك الكتب من تحريف وتبديل يجعلها لا تمثل بصدق (كلام الله). ولكن الأهواء دفعت بعض الدارسين إلى القول بأن القرآن اقتبس تلك القصص من التوراة والإنجيل مغفلين عمداً حقيقة الاختلاف الجوهري بين القرآن وغيره.

ولقد بين كاتبان نصرانيان هما سال sale وتايلور أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجد نموذجاً أخلاقياً ودينياً لينقله أو يحتذيه في الإسلام، بسبب انحراف أتباع الديانات القديمة وانحطاط تصوراتهم بل وتحريف أصولهم الدينية، يقول سال: "إذا قرأنا التأريخ الكنسي بعناية، فسنرى أن العالم المسيحي قد تعرض منذ القرن الثالث لمسخ صورته، بسبب أطماع رجال الدين والانشقاق بينهم والخلافات على أتفه المسائل، والمشاجرات التي لا تنتهي، والتي كان الانقسام يتزايد بشأنها. وكان المسيحيون في تحفزهم لإرضاء شهواتهم واستخدام كل أنواع الخبث والحقد والقسوة قد انتهوا تقريباً إلى طرد المسيحية ذاتها من الوجود، بسبب جدالهم المستر حول طريقة فهمها، وفي هذه العصور المظلمة بالذات ظهرت بل وثبتت أغلب أنواع الخرافات والفساد" (٣).


(١) محمد عبد الله دراز: مدخل إلى القرآن الكريم ص١٤١ وحاشية رقم (١).
(٢) راجع كتاب (الظاهرة القرآنية) لمالك بن نبي.
(٣) محمد عبد الله دراز: مدخل إلى القرآن الكريم ص ١٣٦ نقلا عن مؤلف سال (ملاحظات تاريخية ونقدية عن الإسلام) ص٦٨ - ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>