للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بضبط النفس والتحلي بالصبر، وعدم مقارعة القوة بالقوة، والعدوان بالعدوان، حرصًا على حياتهم ونظرًا لمستقبل الدعوة، وإمساكًا بزمام الدعوة الوليدة أن يئدها الشر وهي لا تزال غضَّة طرية، ولعل المشركين كانوا يحرصون على مواجهة حاسمة مع الدعوة تُنهي أمرها، لكن الحكمة الإسلامية فوتت عليهم الفرصة.

وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يربي أصحابه على عينه، ويوجههم نحو توثيق الصلة بالله، والتقرب إليه بالعبادة، ثم نزلت هذه الآيات في المرحلة المكية {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}.

تأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يخصص شطرًا من الليل للصلاة، وقد خيَّره الله تعالى أن يقوم للصلاة نصف الليل أو يزيد عليه أو ينقص منه، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه معه قريبًا من عام حتى ورمت أقدامهم، فنزل التخفيف عنهم بعد أن علم الله منهم اجتهادَهم في طلب رضاه، وتشميرهم لتنفيذ أمره ومبتغاه، فرحمهم ربهم فخفف عنهم فقال {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} (١). ولا شك في أن امتحانهم في هجر الفرش ومقاومة النوم ومألوفات النفس لتربيتهم على المجاهدة، وتحريرهم من الخضوع لأهواء النفس، تمهيدًا لحمل زمام القيادة والتوجيه في عالمهم، إذ لا بد من إعداد روحي عالٍ لهم، وقد اختارهم الله تعالى لحمل رسالته، وائتمنهم على دعوته، واتخذ منهم شهداء على الناس، فالعشرات من المؤمنين في هذه المرحلة التاريخية كانت أمامهم المهمات الجسيمة في تعديل مسار البشرية، وإنقاذها من الانحرافات الخطيرة، وتسديدها نحو توحيد الله وطاعته. وهي مهمة عظيمة لا يضطلع بها إلا أولئك الذين {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}. وقد وصف القرآن الكريم قيام الليل والصلاة فيه وقراءة القرآن ترتيلاً أي مع البيان والتؤدة - بأنه {أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ


(١) المزمل ٢٠ وانظر الرواية في سنن أبي داود ٢/ ٧٢ حديث رقم ١٣٠٥ وتفسير الطبري ٢٩/ ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>