للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمضى وقت على ذلك ثم أخذ أبو بكر يجهر بقراءة القرآن في فناء داره فيجتمع نساء وأبناء المشركين يعجبون وينظرون إليه "وكان رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن" فأفزع ذلك قريشا، وطلبوا من ابن الدغنة أن يكفه، فخيره ابن الدغنة بين الإسرار بعبادته أو أن يرد عليه جواره، فرد أبو بكر عليه جواره قائلا: إني أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله (١).

وهكذا بقي أبو بكر بمكة على جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أذى المشركين بعد أن كان رسول الله قد أذن له بالهجرة على الحبشة (٢).

وفي أعقاب الهجرة الأولى إلى الحبشة حدث أن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام، فقرأ سورة النجم فسجد في موضع السجود وسجد كل من كان حاضرا إلا اثنين من المستكبرين، فشاع أن قريشا قد أسلمت (٣).

وقد ذهبت روايات مرسلة صحيحة السند إلى مرسليها وهم سعيد بن جبير وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبو العالية إلى أن الشيطان ألقى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في قراءته في صلاته تلك العبارة (تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى)، كما ذهبت روايات مرسلة أخرى ضعيفة الأسانيد إلى مرسليها إلى أن العبارة قالها الشيطان وسمعها المشركون دون المسلمين، فسجد المشركون بسجود المسلمين (٤). وما قالته المراسيل المعتبرة يصطدم مع عصمة النبوة في قضية الوحي ويعارض التوحيد وهو أصل العقيدة الإسلامية؛ لذلك فإنها مرفوضة متنا حتى لو ثبت تعدد مخارجها، ولم يأخذها الثلاثة التابعون عن شيخ واحد.


(١) صحيح البخاري (فتح الباري ٤/ ٤٧٥ - ٤٧٦).
(٢) ابن هشام: السيرة النبوية ٢/ ٣٧٢ - ٣٧٤ بإسناد حسن.
(٣) صحيح البخاري كما في فتح الباري ٢/ ٥٥١، ٥٥٣، ٥٥٧، ٥٦٠، ٥٦٥، ٨/ ٦١٤ وصحيح مسلم ١/ ٤٠٥ وراجع الألباني: نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق.
(٤) المصادر السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>