للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد نزل كثير من المهاجرين في قباء في مكان يسمى (العصبة) قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سالم بن معقل مولى أبي حذيفة يؤمهم في مسجد قباء، لكونه أكثرهم قرآناً (١). لقد أرخ الزهري لهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

قال الزهري: "مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة، والمحرم وصفر ثم إن مشركي قريش اجتمعوا" - يعني على قتله - قال الحاكم: "تواترت الأخبار أن خروجه كان يوم الاثنين ودخوله المدينة كان يوم الاثنين" (٢) وقد أذن الله تعالى لرسوله بالهجرة إلى المدينة، وكان يتردد على بيت أبي بكر كل يوم صباحاً ومساءا، لا يكاد يدع ذلك (٣)، فلما أذن له بالهجرة جاءهم ظهراً على غير عادته وهو متقنع، فأخبر أبا بكر بذلك. واختياره وقت الظهر لأن الناس تأوي إلى بيوتها للقيلولة فراراً من الحر، وتقنُعُهُ يفيد شعوره بالخطر من حوله، فقد اعتزمت قريش قتله، ولابد أنها ستعمد إلى رصد تحركه. قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (٤). وقد بينت رواية ضعيفة - بسبب الإرسال - قصة اجتماع المشركين على باب الرسول صلى الله عليه وسلم وذره التراب على رءوسهم (٥). كما بيَّنَ ابن عباس حصار المشركين لبيته ابتغاء قتله، ومبيت علي على فراشه، ولحاقه صلى الله عليه وسلم بالغار، ولما علم المشركون ذلك في الصباح اقتصوا أثره إلى الغار فرأوا على بابه نسيج العنكبوت فتركوه. ولكن هذه الرواية لا تصح للاحتجاج بها وهي "أجود ما روى في قصة نسيج العنكبوت على فم الغار" (٦).


(١) صحيح البخاري (فتح الباري ٢/ ١٨٤، ١٣/ ١٦٧).
(٢) فتح الباري ٧/ ٢٣٦.
(٣) صحيح البخاري (فتح الباري ٧/ ٢٣٠).
(٤) الأنفال ٣٠.
(٥) سيرة ابن هشام ١/ ٤٨٣ بسند صحيح إلى محمد بن كعب القرظي لكنه مرسل.
(٦) مسند أحمد ١/ ٣٤٨ بإسناد ضعيف لكنه صالح للاعتبار، وقد حسنه ابن كثير (البداية والنهاية ٣/ ١٧٩ وقال: وهو أجود ما روى في قصة نسج العنكبوت على فم الغار) وحسنه ابن حجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>