للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد شملت المؤاخاة تسعين رجلاً خمسة وأربعين من المهاجرين وخمسة وأربعين من الأنصار، ويقال إنه لم يبق من المهاجرين أحد إلا آخي بينه وبين أنصاري (١). وتتفق المصادر على أن المؤاخاة التي جرت في المدينة كانت بين المهاجرين والأنصار، ولكن ابن سعد يذكر أن ثمة مؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم وقعت في المدينة إلى جانب المؤاخاة بينهم وبين الأنصار، ولم يذكر أية تفصيلات أخرى توضح هدف المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم، وما يترتب عليها، ولم تكترث بقية المصادر لهذه الإشارة أو تعقب عليها (٢).

وقد ترتب على تشريع نظام المؤاخاة حقوق خاصة بين المتآخيين كالمواساة بين الاثنين، والمواساة ليست محددة بأمور معينة بل مطلقة لتعني كل أوجه العون على مواجهة أعباء الحياة سواء كان عوناً مادياً أو رعاية ونصيحة وتزاوراً ومحبة، كما ترتب على المؤاخاة أن يتوارث المتآخين دون ذوي أرحامهم، مما يرقي بالعلاقات بين المتآخين إلى مستوى أعمق وأعلى من أخوة الدم (٣).

وقد طابت نفوس الأنصار بما سيبذلونه لإخوانهم المهاجرين من عون وتصور بعض الروايات عمق التزامهم بنظام المؤاخاة وتفانيهم في تنفيذه، ومن النماذج الفريدة لهذه المؤاخاة ما حدث بين سعد بن الربيع "الأنصاري" وعبد الرحمن بن عوف "المهاجر"، حيث قال له سعد: إن لي مالا فهو بيني وبينك شطران، ولي امرأتان فانظر أيهما أحب إليك فأنا أطلقها فإذا حلت فتزوجها. قال: بارك الله لك في أهلك ومالك. دلوني على السوق. فلم يرجع حتى رجع


(١) البلاذري: أنساب الأشراف ١/ ٢٧٠، وابن سعد: الطبقات ج١ قسم ٢/ ٩.
(٢) ابن سعد: الطبقات ج١ قسم ٢/ ٩.
(٣) البخاري: الصحيح ٣/ ١١٩ و ٦/ ٥٥ - ٥٦ و ٨/ ١٩٠ - ١٩١.
ومسلم: الصحيح ٤/ ١٩٦٠، وابن سعد: الطبقات ج ١ قسم ٢/ ٩.
والبلاذري: أنساب الأشراف ١/ ٢٧٠. وابن عبد البر: الدرر ٩٦.
وابن القيم: زاد المعاد ٢/ ٧٩. وابن سيد الناس: عيون الأثر ١/ ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>