للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استمرار المؤاخاة دون توارث:

ويبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر يؤاخي بين أصحابه مؤاخاة مواساة وتعاون وتناصح دون أن يترتب على ذلك حق التوارث بين المتآخين. وهكذا وردت أخبار تفيد أنه آخي بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي (١) مع أن سلمان أسلم بين أحد والخندق مما يجعل الواقدي والبلاذري ينكران ذلك (٢). وكذلك أنكر ابن كثير مؤاخاة جعفر بن أبي طالب لمعاذ بن جبل لأن جعفراً قدم في فتح خيبر أول سنة ٧ هـ (٣). ومثل ذلك مؤاخاة الحتات مع معاوية بن أبي سفيان (٤) لأن معاوية أسلم بعد فتح مكة سنة ٨ هـ. وكذلك فإن الحتات قدم المدينة في وفد تميم في العام التاسع للهجرة (٥). وإذا اعتبرنا المؤاخاة مستمرة إلا ما يتعلق بحق التوارث الذي أبطل بعد بدر، فلا موجب لهذا الاعتراض والإنكار الذي أبداه المؤرخون تجاه هذه الروايات.

وكذلك إذا قبلنا وقوع مؤاخاة دون إرث قبل وبعد تشريع المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فإن ذلك سوف يفسر الالتباس الذي وقع فيه ابن إسحاق عندما أورد في قائمة المتآخين خبر مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بن حارثة وكلهم مهاجرون في حين أن سائر الأسماء الأخرى التي وردت في قائمته توضح أن المؤاخاة كانت بين مهاجري وأنصاري (٦). وقد عقب ابن كثير على مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بأنه لا معنى لهذه المؤاخاة إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل مصلحة علي إلى غيره فإنه كان ممن ينفق عليه الرسول من صغره. وإلا أن يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة فآخاه بهذا الاعتبار.


(١) البخاري: الصحيح ٥/ ٨٨ و ٣/ ٤٧.
(٢) البلاذري: أنساب الأشراف ١/ ٢٧١.
(٣) ابن كثير: السيرة النبوية ٢/ ٣٢٦.
(٤) ابن حجر: الإصابة قسم ٢ ص ٣٠.
(٥) سيرة ابن هشام ٤/ ٢٢٢.
(٦) المصدر نفسه ١/ ٥٠٤، ٥٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>