للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقتصر تعرض المسلمين لتجارة قريش مع الشام بل تعرضوا لطريق تجارتها مع اليمن أيضًا، فأرسلت سرية عبد الله بن جحش في ثمانية من المهاجرين إلى نخلة جنوب مكة في آخر رجب للاستطلاع والتعرف على أخبار قريش لكنهم تعرضوا لقافلة تجارية لقريش فظفروا بها وقتلوا قائدها وأسروا اثنين من رجالها وعادوا بها إلى المدينة (١)، ونظرًا لأن هذه الحادثة وقعت في الشهر الحرام فقد أثار المشركون ضجة كبيرة بدعوى أن المسلمين ينتهكون حرمة الأشهر الحرم، وكان لذلك وقع خطير في الحواضر والبوادي، فهو خرق لعرف عام ساد الجزيرة العربية مدة طويلة قبل الإسلام. والواقع أن عبد الله بن جحش كان يدرك خطورة الأمر، فقد اختار قرار القتال بعد مشاورة لأصحابه، ولما رجع إلى المدينة وأراد تسليم الغنائم أبى الرسول صلى الله عليه وسلم تسلمها وقال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، وانتشرت داعية قريش أن قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال!!

وقد نزلت آيات من كتاب الله توضح سلامة موقف المسلمين، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم الغنائم وفادى الأسيرين مع قريش، والآيات هي {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (٢) وهكذا بينت الآيات أن ما فعلته قريش من فتنة المسلمين عن دينهم وإخراجهم من مكة أكبر من قتال المسلمين في الشهر الحرام (٣) -مع إقرار مطلع الآية لحرمة "الأشهر الحرم"- فهلا التزمت قريش بالقيم والأعراف فيما فعلته مع المسلمين حتى يحق لها أن تعلن عن نفسها وكأنها القيم على الأعراف والمقدسات!!


(١) تاريخ خليفة ٦٣ من رواية عروة المرسلة، والإسناد إليه حسن.
(٢) سورة البقرة: آية ٢١٧.
(٣) ابن هشام: سيرة ١/ ٥٩ - ٦٠ من مراسيل عروة. والبيهقي: سنن ٩/ ١٢، ٥٨ - ٥٩ بسند صحيح إلى عروة. وله شواهد مسندة عند الطبراني بإسناد حسن وغيره (انظر الإصابة ٢/ ٢٧٨ وابن كثير ٣/ ٢٥١ والهيثمي: مجمع الزوائد ٦/ ٦٦ - ٦٧). والحديث يرقي بمجموع طرقه إلى الصحيح لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>