للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوي ويطرح ما ضعف وما اضطرب، فإن الاضطراب إذا بَعُد به الجمع بين المختلف، ولم يترجح شئ منه التحق بالضعيف المردود" (١).

وما دمنا قد قبلنا هذا "المبدأ" فإنه يمكن الإفادة بصورة واسعة من كتب الحديث في دراسة عصر السيرة النبوية والخلافة الراشدة، لأن كتب الحديث خُدمت أكثر من كتب السيرة والتاريخ من قبل النقاد، فمثلاً قد تميز صحيحا البخاري ومسلم وعرف أن كل ما فيهما صحيح بعد الدراسات النقدية التي قام بها حفاظ كبار قدامى ودارسون معاصرون، وحتى الأحرف اليسيرة المنتقدة فيهما صمدت أمام النقد لأن أصولها معروفة ولم ينفرد بها البخاري ومسلم. ومادام الأمر كذلك فيمكن إذاً اعتماد ما أورده البخاري ومسلم من روايات تتعلق بالسيرة والراشدين، ثم النظر في روايات السنن الأربعة وموطأ مالك التي لقيت سبراً وتمحيصاً أيضاً رغم أنها لا ترقى إلى درجة الصحيحين ولا تخلو من الضعيف.

إن كتب الحديث تحوي قدراً كبيراً من أخبار السيرة وإن كانت لا تغطي كل أحداثها، ومن هنا تبرز أهمية النقد الحديثي لروايات كتب السيرة والتاريخ ... فكبار المحدثين أمثال الحافظ ابن سيد الناس في كتابه (عيون الأثر في المغازي والشمائل والسير) والحافظ الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) عندما كتبا السيرة النبوية اعتمدا على الكتب السنة (البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة) لكنهما لم يتمكنا من الاستغناء عن كتب السيرة والتاريخ.

ولابد هنا من إيضاح حقيقة مهمة قد يؤدي إغفالها إلى شكنا في صحة تصورنا لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحة معلوماتنا عن الخلفاء الراشدين المهديين. وهذه الحقيقة هي أن كتب الحديث تدعم ما أوردته كتب السيرة والتاريخ في معظم الجوانب المتعلقة بالسيرة، وخاصة سيرتي محمد بن إسحق بن يسار (ت ١٥١ هـ) وموسى بن عقبة (ت ١٤٠ هـ) والأولى وصلت إلينا بعنوان سيرة ابن هشام الذي قام بتهذيبها .. وقد خصصتُ سيرة ابن إسحق لأن السيرة التي تقابلها هي


(١) العجاب في بيان الأسباب (مخطوطة) منها صورة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>