للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورغم ما أصاب المسلمين من جراح، وما لحق بالرسول صلى الله عليه وسلم من أذى فقد استمر القتال بين الطرفين وأجهد الجانبين.

وقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالانسحاب نحو شعاب أحد وقد لحق به المسلمون حتى صعد في أحد شعابه وتمكن المسلمون من صد المشركين عنه، وقد ثبت أن الله تعالى أرسل جبريل وميكائيل من الملائكة ليقاتلا دفاعا عنه لأن الله تعالى تكفل بعصمته من الناس (١). ولم يصح أن الملائكة قاتلت في أحد سوى هذا القتال. وإن وعدهم الله تعالى أن يمدهم، لأنه جعل وعده معلقاً على ثلاثة أمور: الصبر والتقوى وإتيان الأعداء من فورهم، ولم تتحقق هذه الأمور فلم يحصل الإمداد (٢). {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (٣)

وكان المسلمون مغتمين لما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم ولما أصابهم فأنزل الله تعالى عليهم النعاس فناموا يسيرا ثم أفاقوا وقد زال عنهم الخوف وامتلأت نفوسهم طمأنينة، قال أبو طلحة الأنصاري: "كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وآخذه ويسقط فآخذه" (٤). وقال تعالى {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}. وهذه الطائفة التي أهمتها نفسها دون أن تفكر بمصاب المسلمين ومصير الإسلام هي المنافقون الذين قال قائلهم: (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا) (٥). ولا شك أن النعاس أعاد للمسلمين بعض


(١) رواه البخاري (فتح الباري ٧/ ٣٥٨ و ١٠/ ٢٨٢) وصحيح مسلم (٢/ ٣٢١).
(٢) تفسير ابن كثير ١/ ٤٠١.
(٣) سورة آل عمران: آية ١٢٤ - ١٢٥.
(٤) صحيح البخاري (فتح الباري ٧/ ٣٦٥).
(٥) تفسير الطبري ٧/ ٣٢٣ وتفسير ابن كثير ١/ ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>