للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خفيفة - ومضى المسلمون إلى المدينة تاركيها في البيداء وقد وجدت عقدها وفقدت الركب، فمكثت في مكانها تنتظر أن يعرفوا بخبرها ويعودوا إليها، فمر بها صفوان بن المعطل السلمي وهو من خيرة الصحابة فحملها على بعيره وانطلق بها إلى المدينة، فوصل إليها بعد دخول الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد استغل المنافقون هذا الحادث ونسجوا حوله، وتولى ذلك عبد الله بن أبي بن سلول وأغرى بالكلام مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش فاتهمت عائشة أم المؤمنين بالإفك.

وضاق الرسول صلى الله عليه وسلم ذرعاً بدعايات المنافقين وصرَّح بذلك للمسلمين وهم مجتمعون في المسجد معلناً ثقته بزوجته وبالصحابي صفوان بن المعطل، وقد أبدى سعد بن معاذ استعداده لقتل من يروج ذلك إن كان من الأوس، فأظهر سعد بن عبادة معارضته لسعد بن معاذ لأن عبد الله بن أبي من الخزرج حتى كادت تقع الفتنة بين الأوس والخزرج لولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم هدأهم.

ومرضت عائشة فاستأذنت النبي في الذهاب إلى بيت أبيها فأذن ثم علمت بخبر الإفك فكانت "لا يرقأ لها دمع ولا تكتحل بنوم" وهي تنتظر أن يعلم الله نبيَّه ببراءتها برؤيا صادقة، وقد انقطع الوحي شهراً عانى خلاله الرسول صلى الله عليه وسلم أشد المعاناة فقط طعنه المنافقون في عرضه وآذوه في زوجه، ولا شك أنه كان يتطلع إلى الوحي وهو في أشد الحاجة إليه لتطمئن نفسه ويخرس ألسن النفاق ويذب عن زوجه الحبيبة وأبيها الذي كان أحب الناس إليه. ثم نزل الوحي بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ...} (١).

وكان أبو بكر (رض) ينفق على قريبه مسطح، فحلف أن لا ينفق عليه فنزلت الآية {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ..} إلى قوله {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} (٢) فعاد أبو بكر إلى النفقة عليه (٣).


(١) سورة النور: آية ١١ - ٢٠.
(٢) سورة النور: آية ٢٢.
(٣) صحيح مسلم ٨/ ١١٢ - ١١٨ والبخاري ٩/ ٨٩ وتفسير الطبري ١٨/ ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>