للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} (١).

ولنترك الحديث لشاهد عيان هو حذيفة بن اليمان الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم لاستطلاع حال الأحزاب قال: "لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، وأخذننا ريح شديدة وقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة"؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد" ثم كرر قوله مرتين فلم يجبه أحد، "فقال: قم يا حذيفة، فأتتا بخبر القوم. فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم. قال: (اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم على)، فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصلى ظهره بالنار فوضعت سهماً في كبد القوس، فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولا تذعرهم علي) ولو رميته لأصبته، فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قررت (٢)، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائماً حتى أصبحت، فلما أصبحت قال: قم يا نومان" (٣).

وفي رواية البزار لما رجع حذيفة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "يا رسول الله تفرق الناس عن أبي سفيان، فلم يبق إلاّ في عصبة يوقد النار وقد صب الله عليهم من البرد مثل الذي صب علينا ولكنا نرجو من الله مالا يرجون" (٤).

وهكذا انفض الأحزاب عن المدينة فتنفس المسلمون الصعداء {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا


(١) سورة الأحزاب: آية ٩.
(٢) أي عاد إليه البرد.
(٣) صحيح مسلم ٣/ ١٤١٤ - ١٤١٥ وقوله "ولا تذعرهم" أي (لا تهجهم) و"أمشي في حمام" أي زال شعوره بالبرد و "قررت" أي (بردت).
(٤) كشف الأستار ٢/ ٣٣٥ - ٣٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>