للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[غزوة مؤتة]

ينفرد الواقدي بذكر السبب المباشر لهذه الغزوة، وهو أن شرحبيل ابن عمرو الغساني، قتل صبرا الحارث بن عمير الأزدي الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ملك بصرى بكتابه، وكانت الرسل لا تقتل فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسل الجيش إلى مؤتة (١). والواقدي ضعيف لا يعتمد عليه خاصة إذا انفرد بالخبر.

والحق أن البحث عن الأسباب المباشرة لغزو القبائل العربية في أطراف الشام لا يؤثر على تفسير الأحداث كثيراً، لأن تشريع الجهاد يقتضي الاستمرار في إخضاع القبائل العربية وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية بصرف النظر عن الأسباب المباشرة. فكان لابد من إخضاع الدويلات العربية النصرانية الموالية للروم، وبالتالي سبق الروم في التحرك في المنطقة قبل قيامهم بعمل ضد الدولة الإسلامية الفتية.

وقد أقام الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد عودته من عمرة القضاء بقية شهر ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول والثاني، وفي جمادي الأولى بعث (٢) جيشا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل إلى الشام (٣)، وعين زيد بن حارثة أميرا عليه، فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب فعبد الله بن أبي رواحة (٤) مما يدل على جواز تعليق الإمارة بشرط، وتولية عدة أمراء بالترتيب (٥). وهذه هي المرة الأولى التي يتخذ فيها مثل هذا الاحتياط، وربما كان متوقعا أن تحف الأخطار هذه الحملة لوجهتها البعيدة، ولعدم وقوع احتكاك سابق بمناطق تخضع لنفوذ دولة قوية كالأمبراطورية البيزنطية التي كانت قبائل الشام وأطرافها موالية لها سياسيا.


(١) ابن سعد: الطبقات ١/ ٢/١٧، وابن حجر: الإصابة ١/ ٥٨٩، وفتح الباري ٧/ ٥١١.
(٢) ابن إسحق بدون إسناد (سيرة ابن هشام ٣/ ٤٢٧) ط محمد محيي الدين عبد الحميد.
(٣) من مرسل عروة بن الزبير (سيرة ابن هشام ٣/ ٤٢٧) وإسناد ابن إسحاق إلى عروة حسن.
(٤) صحيح البخاري (فتح الباري ٧/ ٥١٠؛ وابن إسحق: من مرسل عروة (سيرة ابن هشام ٣/ ٤٢٧).
(٥) فتح الباري ٧/ ٥١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>