للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويسأله النصر، يقول: "إنك إن تشأ لا تبعد بعد اليوم" (١). حتى إذا غشيه الأعداء نزل عن بغلته وترجل (٢)، وكان الصحابة إذا اشتد البأس والتحم القتال يتقون به لشجاعته وثباته (٣)، فلما رأى الفارون من المسلمين ذلك وسمعوا العباس يناديهم أخذوا يتلاحقون به ويرددون: لبيك لبيك. حتى أن من لم يستطع منهم أن يثني بعيره ويعود به أخذ سلاحه وتركه (٤)، فاشتد القتال من جديد وقال الرسول صلى الله عليه وسلم "هذا حين حمي الوطيس" (٥) وأخذ تراباً أو حصيات فرمى بهن وجوه الكفار وهو يقول:"شاهت الوجوه", "انهزموا ورب محمد" (٦)، {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (٧) ولم تصمد هوازن وثقيف طويلاً في الجولة الثانية، بل فروا من الميدان وتعقبهم المسلمون بعيداً عن حنين تاركين وراءهم قتلى كثيرين وأموالاً عظيمة في الميدان. ولم يتمكنوا من الانسحاب المنظم حتى أنهم تركوا خلفهم شراذم من الجيش تمكن المسلمون من القضاء عليها بسهولة (٨) فكانت خسارتهم في الأرواح خلال الهزيمة أعظم من خسارتهم خلال المعركة فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتعقب الفارين وقتلهم لإضعاف شوكتهم حتى لا يعودوا إلى الاجتماع والقتال (٩). وقد أباح سلب المشرك لقاتله (١٠) ولكنه نهى عن قتل


(١) أحمد: المسند ٣/ ١٢١ وهو من ثلاثيات المسند وقال ابن كثير والسفاريني إنه على شرط الشيخين (البداية والنهاية لابن كثير ٤/ ٣٤٨ وشرح ثلاثيات مسند أحمد للسفاريني ٢/ ٢٨٦).
(٢) صحيح البخاري ٤/ ٣٥، ٥٣ وصحيح مسلم ٣/ ١٤٠٠ - ١٤٠١.
(٣) صحيح مسلم ٣/ ١٤٠٠ - ١٤٠١، والنووي: شرح صحيح مسلم ٤/ ٤٠١ - ٤٠٢.
(٤) مسلم: الصحيح ٣/ ١٣٩٨، ١٤٠٠، وابن إسحق (سيرة ابن هشام ٢/ ٤٤٤ - ٤٤٥).
(٥) صحيح مسلم ٣/ ١٣٩٨، ١٤٠٠.
(٦) صحيح مسلم ٣/ ١٣٩٨، ١٤٠٠، ١٤٠٢.
(٧) سورة التوبة: آية ٢٦، وقال الشوكاني: الظاهر أن المراد جميع من حضر الغزوة من المؤمنين، الذين انهزموا والذين لم ينهزموا، لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا (فتح القدير ٢/ ٣٤٨).
(٨) كشف الأستار ٢/ ٣٤٦.
(٩) الهيثمي: مجمع الزوائد ٦/ ١٨١ وكشف الأستار ٢/ ٣٤٩ بإسناد رجاله ثقات.
(١٠) أبو داؤد: سنن ٢/ ٦٥ وقال: هذا حديث حسن، والحاكم: المستدرك ٢/ ١٣٠ وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>