للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبادة من باب الأولى، وبالتالي قطع الإسلام الطريق أمام الدعوة إلى عبودية الإنسان من دون الله مهما بلغ مقامه وعظم مكانه. وبذلك حافظ على كرامة الإنسان وحريته، ومنعه من السقوط في هاوية الخضوع الأعمى لغيره من البشر، فضلا عن حمايته من عبادة المخلوقات الأخرى من حيوان وجماد وقوى الطبيعية.

وقد لا يدعو القائد المفكر إلى عبادة ذاته، ولكن يحرف كلام الله ويغير أحكامه، وهو بذلك يعطي نفسه حق التشريع، وهو من حقوق الله وحده، وبذلك يتعبد الناس ويخضعهم لفكره وتشريعه، وهو نمط من العبودية حذر منه الرسول الكريم عليه السلام ونبه بعض المفسرين إلى وقوع الأم السابقة فيه. فقال المفسر ابن جريج في تفسير قوله تعالى: {كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} (١) قال: "كان ناس من اليهود يتعبدون الناس دون ربهم، بتحريفهم كتاب الله عن مواضعه بغير الذي يقرأون مما أنزل الله في كتابه (٢). وقال عدي بن حاتم رضي الله عنه: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك، قال: فطرحته، وانتهيت إله وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (٣) قال: قلت: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم، فقال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: قلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم" (٤).

وهكذا أوضح المصطفى صلى الله عليه وسلم أن حق التشريع لله، ومن نازعه فيه فقد دعا الناس إلى تأليه ذاته وعبادته من دون الله تعالى.


(١) آل عمران: ٧٩.
(٢) تفسير ابن أبي حاتم للآية ٧٩ من سورة آل عمران.
(٣) التوبة:٣١.
(٤) تفسير الطبري: ١٠/ ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>