للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقف على الحكمة من موافقته على شروط الصلح، وكان يرغب في إذلال المشركين، "فجميع ما صدر منه كان معذورا فيه بل هو مأجور لأنه مجتهد فيه" (١).

ولم تقتصر المراجعة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المقربين، ولا على أصحاب المسئولية في الدولة والمجتمع، بل إن النساء كن يراجعنه أيضا. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:"كنا معشر قريش نغلب الناس، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني! فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فأفزعني ذلك فقلت: جاءت من فعلت ذلك منهم بعظيم، ثم جمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة، أتغاضب إحداكن رسول الله حتى الليل، فقالت: نعم. فقلت: خبت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله. لا تستكثري على رسول الله، ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وسليني ما بدا لك" (٢).

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد لأصحابه هذا المعنى، معنى بشريته، وأنه إنما يمتاز عليهم بالنبوة، ويحذرهم من فعل الأمم السابقة مع أنبيائهم عندما غلت فيهم فاتخذتهم آلهة مع الله سبحانه.

وإنما نهاهم عن المبالغة في مدحه خشية أن يجر ذلك مع الأيام إلى إسباغ صفات الألوهية عليه كما حصل لمن أطرى عيسى ابن مريم من النصارى، وقد تمسك عليه الصلاة والسلام بصفة العبودية لله وصفة الرسالة، فهو عبد الله ورسوله، وفيه تتمثل العبودية الصادقة لله فهو أكثر البشر عبادة وطاعة وأشدهم التزاما بتعاليم الرسالة ....


(١) ابن حجر: فتح الباري ٥/ ٣٤٦ - ٣٤٧.
(٢) صحيح البخاري ٣/ ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>