للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد ورد في صحيح البخاري أن هذه الآية نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة، وزينب هي بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب وزيد بن حارثة عربي من بني كعب وقع في السبي في غارة على قوم أمه بني معن من طيء، فأشترى لخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رباه رسول الله وأحبه حتى ما كان يدعى إلا زيد بن محمد كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين (١). وقد حاول حارثة والد زيد استعادة ابنه فرفض الابن إلاّ البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد زوجه الرسول الكريم بمولاته أُم أَيمن، ثم زوجه ابنة عمه زينب بنت جحش، وقد نزلت الآيات الكريمة في شأن هذا الزواج الذي لم يكتب له التوفيق، والذي سجل اسم زيد في كتاب الله تعالى حيث انفرد بهذا الذكر من بين سائر الصحابة.

ويظهر من مجموع الروايات التي يسوقها الطبري في تفسيره (٢) أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين خطب زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، استنكفت منه وأعلنت عدم رضاها به، وقالت: أنا خير منه حسبا، وكانت امرأة فيها حدَّة فأنزل الله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فأسلمت زينب أمرها لله ولرسوله كانت امرأة عابدة أَوَّاهة، فتزوجت زيداً دون رغبة فيه.

والحق أن الوحي الإلهي تدخل مباشرةً في عقد هذا الزواج، كما تدخل أخيراً في فصم عُراه، فهو زواج يهدف إلى تحقيق أمر الله عز وجل في تغيير عُرف ساد الحياة العربية في الجاهلية، وتأصل فيها حتى صارت له قدسية العقائد واحترام المحارم، ذلك هو نظام التبني بحيث ينسب الابن المتبني إلى متبنيه بدلاً من أبيه، وتترتبُ على ذلك حقوق في الميراث والحرمة تماثل حقوق الأبوة على البنوة من الصلب. ولا يخفى ما في ذلك من افتئات على الفطرة ومجانبة للعدل، وتجاوز


(١) صحيح البخاري (فتح الباري ٨/ ٥١٧) وصحيح مسلم ٤/ ١٨٨٤ حديث رقم ٢٤٢٥).
(٢) تفسير الطري ٢٢/ ٩ - ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>