للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ أولى السابقة تحمَّلوا المسئولية في ظروف الشدة والخطر، فالمهاجرون ضحوا بالأهل والمال والديار، وهاجروا لنصرة عقيدتهم، والأنصار عرَّضوا مدينتهم للخطر، وآثروا العقيدة بالنفس والمال والأمن.

وقد تفاضل الصحابة - رضوان الله عليهم - حسب قدمهم في الإسلام وخدمتهم للعقيدة، فكان البدريون طبقة أولى فهم من السابقين الأولين، وكان من شهد أُحُدًا طبقة ثانية، وكان من شهد الخندق طبقة ثالثة، ومن شهد بيعة الحديبية طبقة رابعة، ومن أسلم في ما قبل الفتح طبقة ومن أسلم بعد فتح مكة طبقة.

وروى البخاري ومسلم أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يقتل حاطب بن أبي بلتعة وهو صحابي بدري، حاول أن يرسل خبر إعداد المسلمين لفتح مكة إلى قريش، لكن الرسالة سقطت بيد المسلمين، واعترف حاطب بأنه أراد أن يحمي أهله بمكة من أذى قريش، وهنا نجد أن سابقة حاطب وشهوده بدراً تشفع له، فلا يأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بقتله بل يقول: إنه شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلَّع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم" (١).

وقد اشتكى أحد عبيد حاطب بن أبي بلتعة عليه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله ليدخلنَّ حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتَ لا يدخلها إنه شهد بدراً والحديبية" (٢).

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل النار أحدٌ شهد بدراً والحديبية" (٣).

وقد اختص عمر بن الخطاب أهلَ السابقة والخدمة للإسلام بعطاءٍ أوفر من الدولة، وهكذا قرن بين التكريم المعنوي والمادي لتمكين هؤلاء الرجال من العيش الكريم، ولتقوية نفوذهم في المجتمع، وتدعيم مركزهم في القيادة


(١) صحيح البخاري (فتح الباري ٢/ ٥١٩) وصحيح مسلم ٤/ ١٩٤١.
(٢) صحيح مسلم ٤/ ١٩٤٢. وكذبت تستعمل بمعنى أخطأت.
(٣) صحيح مسلم ٤/ ١٩٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>