للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَاشْتَكَى النَّاسُ قِلَّةَ المَاءِ، فَانْتَزَعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فأَمَرَ فَغُرِفَ في الثَّمَدِ فَجَاشَ لَهُم بالرِّيِّ حَتَّى سَقُوا رَوَاحِلَهُم (١)، فَبَعَثَ المُشرِكُونَ سَهَيْلَ بنَ عَمْروٍ، وأَمَرُوهُ أنْ يُكَاتِبَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -: اكْتُبْ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحمَّدٌ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم -، فقَالَ سُهَيْلٌ: والله مَا نَدْرِي مَا الرَّحْمَنُ، ولَوْ نَعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ الله مَا قَاتَلْنَاكَ، ولَكِنْ أَنْتَ ما مُحمَّدُ بنُ عَبْدِ الله، قالَ سُهَيْلٌ: عَلَى أنْ لَا يأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ، وإنْ كَان عَلَى دِينِكَ إلَّا خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وبَيْنَهُ، فقَالَ: نَعَمْ، وعَلَى أنْ تَنْحَرَ وتحلِقَ بِمَكَانِكَ الذِي أَنْتَ به، قالَ: نَعَمْ، ولَا تحُولُوا بَيْنَنَا وبَينْ البَيْتِ، قالَ سُهَيْلٌ: والله لَا يَسْمَعُ العَرَبُ أنَّكَ أَخَذْتَنَا ضغْطَةً أَبَدًا (٢)، ولَكِن انْحَرْ واحْلِقْ مَكَانَكَ، ونُخْلِي بَيْنَكَ وبَينْ البَيْتِ مِنْ قَابِلٍ فَتَطُوفُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، قالَ: نَعَمْ، فَصَالَحهُم عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَفْرَغُوا مِنَ الكِتَابِ حَتَّى جَاءَهُم أَبو جَنْدَلِ بنُ سُهَيْلٍ يَرْسُفُ في الحَدِيدِ مُتَقَلِّدَ السَّيْفِ مُسْلِمًا، فَسَلَّمَ عَلَى النبىِّ - صلى الله عليه وسلم -،، فقَالَ سُهَيْلٌ: هَذا أَوَّلُ مَا قَاضَيْتُكَ عَلَيْهِ، فقَالَ النبىُّ - صلى الله عليه وسلم -،: أَجِرْهُ لي، فقَالَ: والله لَا أُجِيُرهُ أَبَدًا، فقَالَ مِكْرَزُ بنُ حَفْصِ بنِ الأَحْنَفِ مِنْ بَنِي عَامِرِ بنِ لُؤَيٍّ: أَنَا أُجِيرُهُ لَكَ، فَدَفَعَهُ إليهِ، فقَالَ أَبو جَنْدَلٍ: أُرَدُّ إلى المُشرِكِينَ وأَنا مُسْلِمٌ، فأَتَاهُ عُمَرُ رَضيَ الله عَنْهُ فقالَ: إنَّمَا هُوَ رَجُلٌ ودَخَلَ مَعَهُ السَّيْفُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابهِ قالَ: انْحَرُوا واحْلِقُوا، فَلَمْ يَفْعَلُوهُ، فَدَخَلَ عَلَى زَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ


(١) الثمد -بالتحريك، ويقال: بسكون ثانيه-: الماء القليل، وقوله: (فجاش لهم بالري) يعني يفور ماؤه ويرتفع، ينظر: النهاية ١/ ٦٤٠، و ٨٦٢.
(٢) الضُغْطَة -بضم الضاد وسكون الغين المعجمتين ثم طاء مهملة- أي قهرا، ينظر: فتح الباري ٥/ ٣٤٣.